نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
جامعة
المستخلص
نقاط رئيسية
أولًا: السببیّة الوجودیّة فی السنن الإلهیّة
ثانیًا: سرمدیّة السببیّة الوجودیّة فی الماضی والمستقبل
ثالثًا: حتمیة السنن الإلهیّة وحرّیّة الفعل البشریّ
رابعًا: وجه الحاجة إلى فقه السنن الإلهیّة
خامسًا: فهم السنن مفتاح الاستخلاف والاستشراف
الكلمات الرئيسية
حتمیّة السببیّة الوجودیّة واسشراف مستقبل الإنسانیّة
الدکتور أحمد الفراک[1]
خلاصة المقالة:
إنّ السُّنن الإلهیّة الجاریة بأنواعها المتعدّدة النفسیّة والاجتماعیّة والکونیّة، هی سنن حتمیة مقدَّرة من الله تعالى فی الخلق منذ الأزل إلى الأبد، ویترتّب علیها وجود المخلوقات فی ذاتها وفی علاقات بعضها ببعضها الآخر، وفق قوانین ثابتة لا تتبدّل، وإرادة جاریة لا تتعطّل، لا تحابی أحدًا لدِینه ولا لنسبه ولا للغته ولا لعرقه. وعلى الإنسان أن یسعى جاهدًا إلى الکشف عنها بهدف إیجاد الحلول والعلاجات الکافیة لتطبیبه ومعالجة أزماته وبناء حضارته.
ولذلک نبّه القرآن فی آلاف المواضع إلى حکمة السببیّة الوجودیّة، وحثَّ على السیر فی الأرض والنظر فی أحوال الأمم السالفة والقرون الخالیة، والاعتبار بعمرانهم وخرابهم، وبعُلُوّهم وزوالهم، والتبصّر فی سِیرهم، ومعرفة أفکارهم وأخبارهم، والاطّلاع على أسباب صلاحهم؛ إنْ کانوا صالحین، وعلى علل فسادهم؛ إنْ کانوا فاسدین. وربط ذلک بمآلات أفعالهم ومجازاة الله تعالى لهم علیها فی دنیاهم قبل آخرتهم؛ أی النظر فی أسباب تحضّرهم ونتائجه؛ من أجل الاعتبار بقصصهم فی استشراف المستقبل، والإعداد له بدل انتظار مفاجآته بالعجز والکسل!
لذا، على العلماء والمفکّرین المسلمین البحث عن سُنن الله فی خلقه وبیانها للمسلمین وتأطیرها ضمن علوم منهجیّة؛ کما فعلوا فی غیر ذلک من العلوم والفنون التی أرشد إلیها القرآن بالإجمال وبیّنها العلماء بالتفصیل.
مصطلحات مفتاحیّة:
سنن إلهیّة، حتمیّة، قانون، استشراف، استخلاف، منهاج، مستقبل، أقدار، تبدیل، تحویل، ...
مقدّمة:
إنّ الکون بمختلف ظواهره المرئیّة والمستورة -وهو مجال سعی الإنسان إلى إقامة العمران- محکوم بقوانین سننیّة صارمة، وُضعت فیه من خارجه لتیسیره وتسییره. وتتمیّز هذه القوانین بالثبات والکونیّة والعدل؛ ما یعطی للتغیّر الجاری على الأحداث والأشیاء والأشخاص معناه وتفسیره، والقدرة على توجیهه واستثماره فی استشراف المستقبل. فبین ظواهر الکون الطبیعیّة علاقات سببیّة دقیقة؛ أی سلسلة من العلل والمعلولات المترابطة فی ما بینها، مجعولة فی الکون من خارجه تربط بین جمیع العناصر؛ لیکون بعضها سببًا أو نتیجةً لبعضها الآخر إلى ما لا نهایة له، من الماضی إلى الحاضر فالمستقبل. وهذه الروابط السببیّة الوجودیّة حتمیّة فی الکون؛ سواء أدرکها العقل البشریّ فی کلّیّتها أو لم یدرکها؛ فهی کذلک؛ لا تتخلّف: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِیلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِیلًا}[2]، ولعلّ هذا ما أکّدته مختلف الأبحاث الفیزیائیّة والکیمیائیّة والفلکیّة والبیولوجیّة المعاصرة.
فهل تستغرق هذه الحتمیّة السُّننیّة جمیع الحوادث الطبیعیّة والأفعال البشریّة؟ وکیف یمکن للعقل المسلم والأمّة المسلمة أن تستفید من علم السنن فی إقامة العمران واستشراف حیاة طیّبة للإنسان؟ ووفق أیّ خطط استشرافیّة یتفاعل العقل المسلم مع إشکالیّة الحتمیّة السببیّة وحرّیّة الاختیار والمسؤولیّة عند الإنسان؛ لیؤسّس حضارة مشترکة یسعد فیها الإنسان؟
قال الله تعالى فی تقدیر السنن الإلهیّة: {الَّذِی لَهُ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ یَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ یَکُن لَّهُ شَرِیکٌ فِی الْمُلْکِ وَخَلَقَ کُلَّ شَیْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیرًا}[3]، فکلّ موجود من الموجودات فی العالمین یخضع للتقدیر الإلهیّ من خارجه، ولا یملک فی ذاته تقدیر مصیره ومآله؛ وهو ما یدلّ بوضوح على أنّ "قضیّة السنن أصل من أصول العمران الإنسانیّ، الذی دونه تنخرم حرکة الاستخلاف، وتتغبّش الرؤیة الکونیّة الإنسانیّة، وتضطرب موازین الأفعال الحضاریّة والعمرانیّة المطلوبة لتحقیق الاستخلاف، وحمل الأمانة التی کُلِّف بها الإنسان، الذی أعطی قدرتی التعقّل والاختیار؛ بوصفهما المفتاحین الضروریّین لفهم السنن وتسخیرها فی الفعل الاستخلافیّ، المحقّق لشروط بناء حضارة وعمران إنسانیّ متوازن، ومتکامل، ومتوافق مع السنن الإلهیّة"[4].
هذه السُّنن الإلهیّة الجاریة بأنواعها المتعدّدة النفسیّة والاجتماعیّة والکونیّة، مقدّرة من الله تعالى فی الخلق منذ الأزل إلى الأبد، ویترتّب علیها وجود المخلوقات فی ذاتها وفی علاقات بعضها ببعضها الآخر، وفق قوانین ثابتة لا تتبدّل، وإرادة جاریة لا تتعطّل؛ کما قال الإمام علی (ع): "فإنّ الدنیا ماضیة بکم على سنن"[5]، لا تحابی أحدًا لدِینه ولا لنسبه ولا للغته ولا لعرقه.
والحال أنّنا نجد غفلة عند معظم المسلمین عن حقیقة السنن الإلهیّة وواقعیّة جریانها فی الحیاة الإنسانیّة؛ ما یعیق تقدیم تفسیر تشخیصیّ لمشکلات الحیاة الفکریّة والتربویّة والتقنیّة والتنمویّة وغیرها، ویحول دون إیجاد الحلول والعلاجات الکافیة لتطبیبه ومعالجة أزماته. "والغفلة أشدّ ما یفسد القلوب، فالقلب الغافل قلب معطّل عن وظیفته، معطّل عن الالتقاط والتأثّر والاستجابة، تمرّ به دلائل الهدى أو یمرّ بها دون أن یحسّها أو یدرکها، ودون أن ینبض أو یستقبل"[6]، وقد کان من نتائج تفریط المسلمین فی موضوع السنن نظریًّا وعملیًّا، عدم تخصیص علمٍ به ضمن معارفهم وعلومهم، على الرغم من أنّه من أکثر الموضوعات التی رکّز علیها القرآن العظیم ونبّه إلیها فی مواضع کثیرة.
فـ"لم یُقَصِّر المصنّفون من المتقدّمین والمتأخّرین فی شیء من علم الکتاب والسنّة، کما قصّروا فی بیان ما هدى إلیه القرآن والحدیث من سنن الله تعالى فی الأمم! والجمع بین النصوص التی وردت فی ذلک، والحثّ على الاعتبار بها! ولو عُنوا بذلک بعض عنایتهم بفروع الأحکام، وقواعد الکلام؛ لأفادت الأمّة بما یحفظ دینها ودنیاها. وهو ما لا یغنی فیه التوسّع فی دقائق مسائل النجاسة، والطهارة، والسِّلم والإجارة، فإنّ العلم بسنن الله تعالى فی عباده لا یعلوه إلا العلم بالله تعالى، وصفاته، وأفعاله؛ بل هو منه، أو من طرقه ووسائله"[7].
أولًا: السببیّة الوجودیّة فی السنن الإلهیّة:
من خصائص السببیّة الوجودیّة فی الخلق أنّها عالمیّة وعادلة ودائمة، تجری على الخلق أجمعین؛ مع غضّ النظر عن انتماءاتهم العرقیّة والجنسیّة والقومیّة: {سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا}[8]، {فَهَلْ یَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِینَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِیلًا}[9]، ولا یصحّ أن یستمیلها أحد إلیه بشرفه أو حیلته أو تدیّنه: {لَّیْسَ بِأَمَانِیِّکُمْ وَلا أَمَانِیِّ أَهْلِ الْکِتَابِ مَن یَعْمَلْ سُوءًا یُجْزَ بِهِ وَلاَ یَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا وَلاَ نَصِیرًا}[10]؛ إذ الأسباب هی محلّ حکم الله، و"تخضع لها جمیع الکائنات الحیّة فی وجودها المادّی، وما یطرأ علیها؛ مثل: نموّه، وحرکة أعضائه، ومرضه، وهرمه، ولوازم بقائه حیًّا، ونحو ذلک"[11]؛ فما یحکم علاقة الإنسان بالطبیعة هی أسباب؛ بها یکون التمکین له فیها أو لا یکون، وهذه الأسباب هی قوانین ماضیة لا تتخلّف[12]، وعلى ضوء فهمها یتحقّق فهم کیفیّات تحصیل العلم بالطبیعة وبالإنسان، وتطویر نمط الوجود والحیاة والسعی الموفّق إلى تحقیق الرفاه والرخاء.
یدرک المتدبّر فی القرآن أنّه یحمل للإنسان منهاجًا سُننیًّا یؤکّد السببیّة الوجودیّة ویُبیّنها للناس؛ لعلّهم یفقهون معناها ویعملون بمقتضاها. ویرتّب هذا المنهاج الصلاح على عمل الصالحات، ویربط الفساد بما کسبت أیدی الناس، ویعید الأسباب إلى المسبّبات، ویوصل البواعث بالمقاصد، ویستنبط النتائج من المقدّمات، فیوقن العقل المتفکّر أنّ السببیّة الوجودیّة هی تلک السنّة أو السنن "التی یسیر وفقها الوجود کلّه، وتتحرّک بمقتضاها الحیاة، وتحکم جزئیّاتها ومفرداتها، فلا یشذّ عنها مخلوق. وما فی الکون ذرّة أو حرکة إلا لها قانون أو سُنّة، وجمیع الکائنات الحیّة من إنسان وحیوان ونبات... لها قانون أیضًا. وما من کوکب أو نجم، إلا وله قانون لا إرادی أو لا ذاتی یسیر وفقَه. وما من حرکة نفسیّة أو اجتماعیّة أو نقلة حضاریّة، إلا ولها قانون -أیضًا- یتجلّى فی الأسباب والعوامل المؤدّیة إلیها"[13]، ولیست مجرّد أحداث معزول بعضها عن بعضها الآخر.
ولذلک، نبّه القرآن فی مواضع کثیرة إلى حکمة السببیّة الوجودیّة، وحثَّ على السیر فی الأرض والنظر فی أحوال الأمم السالفة والقرون الخالیة، والاعتبار بعمرانهم وخرابهم، وبعُلوّهم وزوالهم، والتبصّر فی سِیرهم، ومعرفة أفکارهم وأخبارهم، والاطّلاع على أسباب صلاحهم؛ إنْ کانوا صالحین، وعلى علل فسادهم؛ إنْ کانوا فاسدین[14]. وربط ذلک بمآلات أفعالهم ومجازاة الله لهم علیها فی دنیاهم قبل آخرتهم. أی النظر فی أسباب تحضّرهم ونتائجه من أجل الاعتبار بقصصهم، واتّباع سنن المهتدین منهم، وتجنّب الوقوع فی غفلات الجاهلین وجحودهم: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِکُمْ سُنَنٌ فَسِیرُواْ فِی الأَرْضِ فَانظُرُواْ کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الْمُکَذِّبِینَ}[15]، فهی سُنن تُعرف بالسیر فی الأرض والنظر فی الأفعال والعواقب والمآلات؛ نظرًا إلى تشابه الأحداث وتطابق السنن، ومن استقراء سِیر السابقین؛ فنتعرّف سنّة الله فی معاملتهم، ثمّ نعثر على الرابط المفسّر لتصرّفات اللاحقین واستشراف أفعالهم فی المستقبل.
ثانیًا: سرمدیّة السببیّة الوجودیّة فی الماضی والمستقبل:
السنّة فی اللغة هی "جریان الشیء واطّراده فی سهولة"[16]. والسُّنّة الإلهیّة هی القانون الوجودیّ الثابت الذی لا یتغیّر؛ فهی مبادئ سرمدیّة، وضوابط أبدیّة لا تتبدّل ولا تتحوّل[17].
ویکمن سرّ نجاح الإنسان أو فشله فی سعیه الفردیّ والجماعیّ؛ فی ما لو "اتّبع سببًا"، أو عجز أو غفل عن اتّباع السبب؛ لأنّ فی کلّ شیء سببًا: {وآتیناه من کلّ شیء سببًا فأتبع سببًا}[18]، ولا یُبنى العمران الإنسانیّ إلا وفق تلک السببیّة التی تحمّل الإنسان مسؤولیّته العمرانیّة الائتمانیّة؛ ولیس بالتبرّم منها أو تجاهلها أو التحایل علیها، وإنّما بحُسن فهمها وإتقان تسخیرها فی عالم الاستخلاف ومستقبل الاستشراف: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِیلًا}[19].
إنّ السنن الإلهیّة أقدارٌ وعهودٌ ووعودٌ وکلماتٌ تامّاتٌ، "لها صفة العموم والشمول، کما إنّ لها صفة الثبات والدوام"[20]، وتشکّل "کلّیّات مرجعیّة" تحکم سیرورة الوجود بأکمله: الإنسان، الحیاة، باقی الأحیاء، التاریخ، الجغرافیا، القیم، الأنفس، والمجتمعات. وهی سنن مرکّبة ومتکاملة فی الوقت نفسه، لا یتجاوزها الإنسان، ولا یتفلّت من صرامتها، وهی تختلف عن "الحتمیّات الجبریّة" التی رسمت خطًّا مستقیمًا للتاریخ؛ مدّعیة خضوع الإنسان له کما تخضع المادّة! ودلیل ذلک فی الاعتبار بأحوال الماضین من الأمم: {لَقَدْ کَانَ فِی قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِی الأَلْبَابِ مَا کَانَ حَدِیثًا یُفْتَرَى وَلَکِن تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ کُلَّ شَیْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ}[21]؛ لتبقى اختیارات الإنسان وفاعلیّته رهینة بحتمیّة وانتظام السنن الإلهیّة التی لا تنقضی بحال[22]، وتقف عندها الأشیاء ولا تتجاوزها[23].
وهکذا، فالتبدیل والتحویل لا یطرآن على سنن الله؛ وإنْ تکلَّف التبدیل أو التعطیل إنسُ الخلق وجِنُّه، حتى ولو کان بعضهم لبعض ظهیرًا، فهی ثابتة مستقرّة، کما تدلّ آیات کثیرة على ذلک؛ منها قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِی خَلَقَ الأَزْوَاجَ کُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا یَعْلَمُونَ * وَآیَةٌ لَّهُمْ اللَّیْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِی لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدِیمِ * لا الشَّمْسُ یَنبَغِی لَهَا أَن تُدْرِکَ الْقَمَرَ وَلا اللَّیْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَکُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ}[24]، وفی ذلک حِکم کثیرة؛ منها: أنّه "لولا ثبات السنن على هذه الشاکلة؛ لما أمکن للبشر أن یسخّروها أو یستفیدوا منها، ولما کان استخلاف البشر فی الأرض ممکنًا... لو لم تکن هذه السنن ثابتة على هذه الحال؛ لما کان فی هذا الوجود توازن ولا استقرار، ولکانت الفوضى حینئذ هی سمة الخلق کلّه.. وهذا یتنافى مع الواقع المشهود، الذی تدلّنا کلّ صغیرة وکبیرة فیه على آیات التوازن والاستقرار"[25]، لکنّ الثبات لیس أبدیًّا؛ وإنّما هو ثبات مؤقّت بتوقیت عمر الکون، وللکون أجله؛ کباقی المخلوقات التی قدّر الله وحده أعمارها، ثمّ یحدث الانتقال إلى عالم الآخرة، ولکلِّ عالم سُننه؛ إذ السنن المبثوثة فی الکون مرتبطة بعناصره من سماوات وأراضین وبحار... وإذا تبدّلت العناصر تبدّلت السنن: {یَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَیْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[26].
ولا ندّعی أنّ الفقه الإسلامیّ لم ینتبه مطلقًا إلى السنن الإلهیّة، فقد استحضر کثیر من علماء الأمّة وفلاسفتها هذه السببیّة فی کتاباتهم؛ وإنّما ما نلاحظه هو تقصیر المسلمین فی تأسیس "علم السنن" أو "فقه السیر على السنن"؛ بوصفه علمًا قائمًا بذاته إلى جانب باقی العلوم التی أنشأها المسلمون حول الوحی؛ کالعقیدة، والحدیث، وأصول الفقه... هذا "العلم السننی" هو الذی جعله القرآن الکریم مدخلًا لفقه الاستخلاف الآدمی فی الأرض إلى جانب العمل بمقتضى هذه السّنن فی بناء العمران الاستخلافی الموافق لسُنن الله فی خلقه، وبالتالی التخطیط الواعی والاستراتیجیّ للحیاة فی المستقبل.
ولمّا کان قانون السببیّة الوجودیّة یعنی ترتیب النتائج على المقدّمات، وقرن الأسباب بالمسبّبات؛ فإنّ جزاء العامل یکون من جنس عمله ومن مدى احترام القانون الذی یجری علیه ذلک العمل، فالله تعالى یجازی عباده حسب سعیهم: {جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ}[27]؛ لذلک نجده یعرض التجارب البشریّة ومعها نتائجها؛ لنعتبر بها: {مَن یَعْمَلْ سُوءًا یُجْزَ بِهِ وَلاَ یَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِیًّا وَلاَ نَصِیرًا * وَمَن یَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَکَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ یُظْلَمُونَ نَقِیرًا}[28]، فمن عمل سوءًا یُجزَ به، ومن عمل صالحًا یُجزَ به؛ وکأنّه یجازی نفسه بنفسه. وفی قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعْضَ الَّذِی عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ * قُلْ سِیرُوا فِی الأَرْضِ فَانظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِینَ مِن قَبْلُ کَانَ أَکْثَرُهُم مُّشْرِکِینَ}[29]، نجد قانونًا یَصِل بین أطراف الحدث السببیّة، فیرجع الفساد إلى کسب الناس، مثلما یربط بین السیر فی الأرض والنظر فی العواقب. ویقول سبحانه: {فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ * وَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ}[30]، فذرّة الخیر تُرى وذرّة الشر تُرى. وهذا یطلب من المسلمین معرفة السنن النفسیّة والمجتمعیّة والکونیّة، وإدراک انسجامها وتناسقها وتناسبها وتوائمها. و"القرآن من أوّله إلى آخره، صریح فی ترتیب الجزاء بالخیر والشرّ والأحکام الکونیّة والأمریّة على الأسباب؛ بل فی ترتیب أحکام الدنیا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال"[31]: {وَمَا أَصَابَکُم مِّن مُّصِیبَةٍ فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَن کَثِیرٍ}[32]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِم بَرَکَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَکِن کَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا کَانُواْ یَکْسِبُونَ}[33].
ثالثًا: حتمیة السنن الإلهیّة وحرّیّة الفعل البشریّ:
الإشکال الفلسفیّ فی موضوع السببیّة الوجودیّة هو إشکال حتمیّة السنن الإلهیّة فی مقابل حرّیّة الفعل البشریّ. وهو ما یعرف بمفارقة الحرّیّة والضرورة فی الفعل البشریّ؛ فهل السنن تطال الفعل والترک على تمامهما؟ وهل الإنسان فاعل مخیّر أم مفعول به مسیّر وفق ترتیب منضود؟
حاول کثیر من الفلاسفة والعلماء معالجة هذا الإشکال الفلسفیّ؛ ومنهم ابن رشد فی کتابه مناهج الأدلّة ضمن إشکالیّة القضاء والقدر، فبعدما بسط مواقف المعتزلة والأشاعرة فی الموضوع، قال: "وذلک أنّه یظهر أنّ الله تبارک وتعالى قد خلق لنا قوى نقدر بها أن نکتسب أشیاء هی أضداد. لکنْ لمّا کان اکتساب تلک الأشیاء لا یتمّ لنا إلا بمؤاتاة الأسباب التی سخّرها الله لنا من خارج، وزوال العوائق عنها، کانت الأفعال المنسوبة إلینا تتمّ بالأمرین جمیعًا. وإذا کان ذلک کذلک؛ فالأفعال المنسوبة إلینا -أیضًا- إنّما یتمّ فعلها بإرادتنا وموافقة الأفعال التی من خارج لها، وهی المعبّر عنها بقدر الله. هذه الأسباب التی سخّرها الله من خارج لیست متمّمة للأفعال التی نروم فعلها أو عائقة عنها فقط؛ بل هی السبب فی أن نرید أحد المتقابلین؛ فالإرادة هی شوق یحدث لنا عن تخیّلٍ ما، أو عن تصدیقٍ بشیء، وهذا التصدیق لیس لاختیارنا؛ بل هو شیء یعرض لنا عن الأمور التی من خارج؛ مثال ذلک: إذا ورد علینا أمر مشتهى من خارج اشتهیناه بالضرورة من غیر اختیار، فتحرّکنا إلیه. وکذلک إذا طرأ علینا أمر مهروب عنه من خارج کرهناه بالضرورة، فهربنا منه. وإذا کان هکذا، فإرادتنا محفوظة بالأمور التی من خارج ومربوطة بها. وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {له معقبات من بین یدیه ومن خلفه یحفظونه من أمر الله} (الرعد: 11). ولمّا کانت الأسباب التی من خارج تجری على نظام محدود وترتیب منضود، لا تخلّ فی ذلک، حسب ما قدّرها بارئها علیه، وکانت إرادتنا وأفعالنا لا تتمّ ولا توجد بالجملة إلا بموافقة الأسباب التی من خارج، فواجب أن تکون أفعالنا تجری على نظام محدود. أعنی: أنّها توجد فی أوقات محدودة ومقدار محدود؛ وإنّما کان ذلک واجبًا لأنّ أفعالنا تکون مسبَّبة عن تلک الأسباب التی من خارج. وکلّ مسبَّب یکون عن أسباب محدودة مقدّرة، فهو ضرورة محدود مقدّر، ولیس یلغی هذا الارتباط بین أفعالنا والأسباب التی من خارج فقط؛ بل وبینها وبین الأسباب التی خلقها الله تعالى فی داخل أبداننا"[34].
غیر أنّ وجود هذه السببیّة واستقراء أثرها والیقین بفاعلیّتها وحضورها فی الفعل البشریّ وحرکیّة الأشیاء فی الطبیعة لا یفید أنّها تحمل علّتها فی ذاتها وتعقل حرکتها أو أنّها لا تحتاج إلى فعل من خارج مسخّر لها. فـهذه الأسباب لا تعقل ذاتها؛ فضلًا عن أن تخلقها، و"لا یحیط بمعرفتها إلا الله وحده. ولذلک کان هو العالم بالغیب وحده على الحقیقة؛ کما قال تعالى: {قل لا یعلم من فی السموات والأرض الغیب إلا الله}[35]، وإنّما کانت معرفة الأسباب هی العلم بالغیب؛ لأنّ الغیب هو معرفة وجود الموجود فی المستقبل، أو لا وجوده. ولمّا کان ترتیب الأسباب ونظامها هو الذی یقتضی وجود الشیء فی وقتٍ ما، أو عدمه فی ذلک الوقت؛ وجب أن یکون العلم بأسباب شیءٍ ما هو العلم بوجود ذلک الشیء، أو عدمه فی وقت ما. والعلم بالأسباب على الإطلاق هو العلم بما یوجد منها أو ما یعدم فی وقت من جمیع الزمان. فسبحان من أحاط اختراعًا وعلمًا بأسباب جمیع الموجودات"[36].
فالأسباب التی جعلها الله فی خلقه لا توجِد الفعل المترتّب علیها بقدر ما تدخل هی بدورها فی اکتسابه وفق السنن الإلهیّة الجاریة علیها وعلیه، ومن یشرک الفاعل بالفعل کمن یشرک فی فعل الکتابة القلم مع الکاتب به[37].
ویرى ابن رشد أنّ الله تعالى خلق فی الإنسان القدرة على اکتساب أفعاله بنفسه؛ أی وهَبه الحرّیّة فی الاختیار بین فعل الخیر وفعل الشرّ؛ لیکون قادرًا على اختیار أفعاله ومواقفه، إذ تترتّب على اختیاره الإرادیّ مسؤولیّته على تلک الأفعال، لکنّ حرّیّته لیست مطلقة؛ وإنّما هی نسبیّة رهینة بضرورة مؤاتاة الأسباب الخارجیّة (نظام الکون) التی تجری على نظامٍ محدود ومُقدّر یستحیل إلغاؤه أو تجاهله، والأسباب الداخلیّة (قدرات البدن)[38].
رابعًا: وجه الحاجة إلى فقه السنن الإلهیّة:
تأسیسًا على ما تقدّم، یتبیّن البعد الربّانی مزدوجًا مع البعد العملیّ فی السُّنن؛ فهی إلهیّة المصدر والغایة، تنبئ عن حکمة الله سبحانه وعظمته وقیومیّته وتدبیره، فهو الخالق المدبِّر الحکیم بإرادته وحکمته للأنفس فی تسویتها، وللکون فی انتظامه، وللتناسب الربّانی بینهما. إنّه التدبیر الإلهیّ الملازم للوجود الإنسانیّ المشترک. وهو یجری وفق الإرادة والمشیئة فی إطار خلق الله وأمره وحدَه لا شریک له فی ذلک. کما یتبیّن التوافق والتلازم بین آیات الله فی کتابه العزیز، وبین آیاته فی الکون العجیب، وفی کلّ آیة دلیل على وحدانیّة الله وجلاله وعلمه ومیراثه للوجود. وهذا یوفّر للفکر المعاصر القدرة على القیاس على سنّة الماضین من الأمم والاستعانة بها لمعرفة الحاضر والمستقبل وشروط التمکین والصلاح والإصلاح؛ حیث تشکّل "سنّة الماضین -حسب نهج القرآن- دعمًا للبشر، ومساعدًا لهم فی الابتعاد عن الوقوع فی الخطإ مرّة أخرى. وجمیع التجارب البشریّة العریقة فی القِدَم، والموزّعة على أقطار البسیطة، تراث من العِبر لجمیع الناس"[39].
ثمّ إنّ الإنسان، بوصفه الکائنَ المستخلف المؤتمن، مَعنیٌّ وُجوبًا بفهم سنن الله تعالى فی حسبانها ودقّتها؛ فهمًا توحیدیًّا یسخّرها ویتوافق معها، ولا یتجاهلها فیصاب بـ"العمى السننیّ"؛ أی العمى عن فقه السنن، أو یستثقلها فیسقط فی "الجبریّة السننیّة" التی تُسلّم بالسنن ولا تسعى إلى اکتشافها والعمل بها؛ إذ السنن مسخّرة للإنسان "لیفقهها ویوظّفها فی الارتقاء المعرفیّ والروحیّ والعمرانیّ والاستخلافیّ والنفاذیّ إلى أقطار السماوات والأرض، بسلطان الوعی السننیّ المهتدی بتوجیهات الوحی وتعالیمه. وبهذا یتجاوز الإنسان فوضى تسلّط القوى الطبیعیّة علیه، وفوضى تجاوزه هو لقدراته وحدوده"[40].
من خلال فقه السنن یتمکّن التفکیر الإسلامیّ من النظر فی منهجیّة التعامل مع الوحی الإلهیّ، کما یصحّح نظرته إلى ذاته لیستکشفها کما هی فی الزمان والمکان، ولیدرک أنّ الجزاء من جنس العمل، وأنّ النجاح والقیادة لها أسبابها المسنونة الخالیة من الصدفة والفوضى والعبثیّة. فمن ظلم وطغى؛ فجزاؤه الأخذ الشدید، ومن آمن واتّقى وعمل صالحًا؛ فله الجزاء الأوفى فی الدنیا والآخرة. وهذا ما یؤسّس لرؤیة جدیدة فی قراءته للوحی وللعالم من حوله.
إنّ التفکیر السببیّ السننیّ یجعل العقل المسلم مراعیًا للسیاقات التاریخیّة والحضاریّة والجغرافیّة التی یتقلّب فیها وجود کلٍّ من الإنسان وغیره من الأحیاء، فلا یسمح مثلًا بأن تُملى الحلول الجاهزة والأجوبة الجامدة من التراث القدیم على الواقع المعاصر، فی غفلة عن التحقّق من الوعی السننی[41] بالواقع، وبطبیعة الأشیاء، وبطبیعة العلاقات الإنسانیّة المتغیّرة، وبطور الأمّة وأوضاعها الاقتصادیّة والسیاسیّة والعلمیّة، وبطبیعة الحیاة ومقدّرات الناس ومستویاتهم العمرانیّة، وبالسنن المحرّکة لذلک؛ لأنّ "الأمور لا تمضی فی الناس جزافًا، والحیاة لا تجری فی الأرض عبثًا؛ بل ثمّة نوامیس ثابتة تتحقّق، لا تتبدّل ولا تتحوّل، والقرآن یقرّر هذه الحقیقة ویعلّمها الناس؛ کی لا ینظروا إلى الأحداث جزئیًا، ولا یعیشوا الحیاة غافلین عن سُننها الأصیلة، محصورین فی فترة قصیرة من الزمان وحیّز محدود من المکان. یرفع القرآن تصوّر الناس لارتباطات الحیاة وسنن الوجود، فیوجّههم دائمًا إلى ثبات السنن واطّراد النوامیس، ویوجّه أنظارهم إلى مصداق هذا فی ما وقع للأجیال قبلهم، ودلالة ذلک الماضی على ثبات السنن واطّراد النوامیس"[42]. فتتعاقب الأعوام والأحقاب على الخلق فی الکون وفق نظام السنن الإلهیّة الخالد خلود السماوات والأرض، لا خارجةً عنها، ولا معاندةً لها.
وکلّ تفریط فی فقه السنن -إنْ بإغفالها، أو بعدم إدراک کنهها، أو بالتقصیر المعرفی بها- سوف یؤدّی إلى استنزاف کثیر من طاقات المسلمین وضیاع جهودهم هباء، وتعثّر خطواتهم فی طریق بناء الأنموذج المعرفیّ العمرانیّ التعارفیّ الناجح؛ لیقتدی به الغرب وغیرهم. فکلّ حادث یحدث وراءه سُنّة إلهیّة تفرضه، وما من سُنّة کونیّة إلا وثمة سنّة قرآنیّة تعادلها، "فما أعطى سبحانه ما أعطى، ونزع ما نزع إلا بإقامة السنن التی هی قوام النظام ومناط الإبداع والإحکام"[43]. فـ«غیاب "الشهود الحضاریّ" للأمّة المسلمة أو "الانحسار الحضاریّ" الذی تعانی منه الأمّة الآن، إنّما کان أحد أهمّ أسبابه: تعطیل النظر فی السُّنن والاعتبار بسیاقاتها وتأثیرها وتفاعلاتها، وعدولها عن فهم "التدبیرات الإلهیّة" واستخلاصها فی تشکیل الحیاة، أو قراءتها هذه السنن فی سیاق الغفلة أو الإلف، أو تزییف الفهم لها؛ تشویهًا وتفریغًا أو مخادعة وتمویهًا»[44].
إنّ الحاجة إلى بناء مشروع حضاریّ إسلامیّ معاصر متکامل ومنفتح على الآخر رهین بضرورة إصلاح منهاج التفکیر عند المسلمین، وتخلیصه من عوائقه الذاتیّة التی أقعدته قرونًا من الزمن خارج التفکیر السببیّ المنتج. حتّى تضع الأمّة یدها على المفتاح السننیّ لحلّ کثیر من الإشکالات والمشاکل التی تعانیها والأزمات الفکریّة والعملیّة التی یعیشها المسلم المعاصر فردًا وأمّة. ولا شکّ فی أنّ نهضة الأمّة الیوم فی جمیع مجالاتها تتوقّف على امتلاک هذا الفهم بالسنن، وتنزیل ذلک الفهم تنزیلًا تقصیدیًّا استشرافیًّا سلیمًا لإعادة البناء؛ بناء الإنسان المتشبّع بالقیم النافعة للإنسانیّة فی الدنیا والآخرة، والمؤهّل علمیًّا وعملیًّا لإقامة مجتمع إنسانیّ متصالح مع السنن الکونیّة التی تنتظم هذا الوجود، والمتخلّص من الأنانیّة والفردانیّة والجمود. ذلک الإنسان المنسجم مع نفسه ومع سربه الاجتماعیّ ومع عقله وسلوکه وتصوّره عن ربّه وعن نفسه وعن الآخرین وعن الکون، الإنسان المؤمن الموقن المؤتمن على مهمّات الائتمان والحافظ لأمانة التبلیغ والمتحمّل للمسؤولیّة وللامتحان والابتلاء، القادر على احتواء ما بلغته الحضارة المعاصرة، وعلى تنقیتها وإنقاذها ممّا یتهدّدها ویتهدّد البشریّة کافّة؛ إنْ هی خالفت السیر وفق السنن الإلهیّة.
فمنهاج السنن الإلهیّة منهاج کلّیّ لا یتجزّأ، عناصره متداخلة ومتکاملة غیر متقابلة ولا متنافرة ولا ینفصل بعضها عن بعضها الآخر، خصائصه قرآنیّة نبویّة. لذلک یحتّم على المسلمین الوعی بمنطق السنن والرجوع إلى نور القرآن وهدایته ورحمته؛ فهو کتاب الزمن کلّه والمکان کلّه؛ ولیس کتاب فترة من الأزمان، ولا حیّز من الأمکنة، ولا موضوع واحد من الموضوعات، ولا مجال مخصوص من المجالات. بل کتاب الإنسان کلّه؛ بقلبه وعقله وعاطفته، وجسمه وروحه وضمیره، وکذلک الإنسانیة أفرادًا وشعوبًا وقبائل. والتوجّه بالقرآن إلى الإنسان؛ کما هو فی الواقع: الکادح والمکابِد والمغرور والظالم لنفسه والطاغی والجاهل والکفور والکَفَّار والخَصیم والعَجول والیَؤوس والقَنوط والقتور والهلوع والکَنود والمجادِل... لدلالته على سنن الله فی خلقه، ومنها دلالته على الله تعالى.
خامسًا: فهم السنن مفتاح الاستخلاف والاستشراف:
إنّ الإنسان موجود بإرادة ربّانیّة سابقة، وبعنایة إلهیّة مرافقة، وسعیه خاضع للسنن والقوانین الناظمة لمجریات الکون طوعًا وکرهًا؛ لتکون خلافته هی "قیامه بتنفیذ مراد الله تعالى من تعمیر الأرض"[45]، ولا یسع أحدًا من الناس أن یتجاوز أقدار الله الکونیّة: {إِنَّکَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}[46]. واستخلافه هو إمداده بفهم السنن مع تمکینه بالقدرات الفکریّة والعملیّة للعمل وفق تلک السنن والقوانین الکونیّة الکلّیّة، وجعله مسؤولًا عن إقامة حیاة عمرانیّة تنسجم مع قصد الله الکونیّ وقصد الله الشرعیّ؛ أی توافق النوامیس الموضوعیّة من جهة، والحقیقة القرآنیة المنـزلة وحیًا من جهة ثانیة.
فبالفهم السننیّ یُبنى العمران المادّیّ والمعنویّ للحیاة البشریّة، ویتحقّق العمران المادّیّ "نتیجة تراکم الخبرة والتجربة، مع مرور الوقت وتطوّر معرفة الإنسان واکتشافه السنن والقوانین التی تحکم الأشیاء والظواهر، وملاحظة اضطرادها، واستشراف وقوع الأحداث والظواهر وتوقّعها، ومن ثّم استغلال ما تتیحه من فُرص، وتجنّب ما تُمثّله من تحدّیات، وبذلک تزدهر العلوم، وتتطوّر تطبیقاتها، ویتحقّق للإنسان بذلک التمکین فی الأرض وتسخیرها"[47]، فلا یستغنی الإنسان عن الأرض ولا عن قوانین الخلق فیها؛ کما لا تستغنی الروح عن المادّة، إذ "اکتشف الإنسان بالتجربة، وفی أحیان کثیرة بالتجربة المهلکة، بعض القوانین الطبیعیّة وتعرّف على العدید من الظواهر وتعلّم کیف یتعایش مع الطبیعة"[48]؛ فلا حیاة خارج القانون الطبیعیّ السابق للسعی والحرکة والاختیار؛ بل لا حرّیّة للفعل خارج حتمیّة هذا القانون، الذی یمکّن للإنسان اکتشاف أسراره من خلال تعالیم الوحی الإلهیّ: {وَلا یَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاکَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِیرًا}[49]، إذ بتفسیر الوحی تُدرَک السنن النفسیّة والطبیعیّة والاجتماعیّة والعمرانیّة التی تنظّم ظواهر الحیاة، وتربط بین عناصر الکون، وتختزن الغایة من هذا الوجود؛ وجود الأحیاء ووجود الحیاة. وبذلک یستطیع الإنسان أداء واجب الشهود فی العالمین: {سَنُرِیهِمْ آیَاتِنَا فِی الآفَاقِ وَفِی أَنفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ یَکْفِ بِرَبِّکَ أَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ}[50].
ومن هنا، یؤکّد القرآن الکریم على ضرورة العمل وفق قانون السببیّة الوجودیّة، ویؤشّر إلى الانسجام والتفاعل بین السنن القرآنیّة والسنن الکونیّة والسنن النفسیّة، من حیث لا یصحّ الفصل بین هذه السنن إلا من حیث انتظامها وتعلّق بعضها ببعضها الآخر، وإلا وقع الخلل وحصل العبث: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ}[51]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَیْهِمْ بَرَکَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ}[52]، {وَیَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَارًا وَیَزِدْکُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِکُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِینَ}[53].
وروی أنّه سُئل رسول الله (ص): أنُهلَک وفینا الصالحون؟ فأجاب: "نعم! إذا کثر الخبث"[54]، ولا یکثر الخبث إلا إذا کثر فاعلوه، أی مُسبِّبوه ومُوجِدوه.
هذه السببیّة الوجودیّة التی یترکّب الخلق وفقها بشکل بدیع، وهذا الاطّراد والثبات فی سنن الله المتحکّمة فی حرکة الحیاة والأحیاء، یحدث لدى المسلم شعورًا واعیًا، ومتبصّرًا لا عشوائیًّا ولا ساذجًا، بضرورة قراءة هذه السنن، والتبصّر بمسالکها التی تسیر بموجبها الأمم، صعودًا وهبوطًا، تقدّمًا وتخلّفًا، وجودًا وذهابًا، للوقوف على مسار أمّته ومصیرها فی ما مضى، والتفاعل الإیجابیّ فی ما یستقبل من تاریخها، متحرّکًا فی مساحات السببیّة، بعیدًا عن أوهام العبثیّة أو المصادفة، أو الفوضویّة ومساحات الخرافة والأسطوریّة، وبعیدًا عن حدیث "النهایات" الذی لا ینقطع، وحدیث "المابعدیّات" الذی لا یتوقّف، وتأصیلًا لمفهوم "الأمر الواقع" مثل مقولة فرانسیس فوکویاما: "نهایة التاریخ" و"ما بعد التاریخ"[55]، والتی یُعنى بها أنّ التاریخ قد توقّف عند الأنموذج الحضاریّ الغربیّ[56]، والغفلة عن فقه الأسباب التی وُجدت بفعلها تلک الحضارة.
غیر أنّ الإیمان بحتمیّة السُّنن الإلهیّة لا یکفی لبناء حضارة الإنسان بمفهوم القرآن؛ بل ینبغی أن یتحوّل الوعی العمیق بها إلى اکتشافها، ثمّ إلى علمٍ یصحب تفکیر الإنسان وتخطیطه وسعیه فی إطار فلسفة التسخیر الاستخلافیّ ومکابدته للإصلاح ونشدانه الفلاح فی ما لم یقع بعد. إذ یوجّهنا القرآن الکریم إلى "السیر فی الأرض"، و"اتّباع السنن"، ومعرفة التاریخ؛ برؤیة واقعیّة سُننیّة عملیّة مستقبلیّة استشرافیّة؛ ذلک أنّ فهم ترکیب السُّنن فی الفعل التاریخیّ یمدُّ الإنسان بمنطق سیر الأحداث وتفسیرها، ومقوّمات فعل العمران التی تنسجم مع فطریّة الأشیاء ولا تصطدم معها.
خاتمة
بعد غفلة طویلة فی الثقافة الإسلامیّة العربیّة عمومًا عن السنن الإلهیّة، انتبه الفکر الإسلامیّ المعاصر إلى ضرورة ربط العلم والمعرفة بالقوانین العامّة والمطّردة التی توجد علیها المادّة والأشیاء التی هی موضوع البحث والدراسة، وقد دعا محمد عبده إلى تأسیس علم کفائی جدید سمّاه بـ"علم السُّنن"، فقـال: "إنّ إرشاد الله إیّانا إلى أنّ له فی خلقه سننًا یوجب علینا أن نجعل هذه السنن عِلمًا من العلوم المدوّنة؛ لنستدیم ما فیها من الهدایة والموعظة على أکمل وجه. فیجب على الأمّة فی مجموعها أن یکون فیها قوم یبیّنون لها سُنن الله فی خلقه؛ کما فعلوا فی غیر هذا العلم من العلوم والفنون التی أرشد إلیها القرآن بالإجمال وبیّنها العلماء بالتفصیل -عملًا بإرشاده-؛ کالتوحید، والأصول، والفقه. والعلم بسنن الله -تعالى- من أهمّ العلوم وأنفعها، والقرآن یحیل علیه فی مواضع کثیرة"[57]. وقد أطال محمد رشید رضا فی تفسیر المنار فی شرح السنن وخصائصها؛ من قبیل: الثبات، الاطّراد، والاستمراریة[58]، حیث یسری حکمها على الحوادث والظواهر التی یحکمها هذا القانون[59]؛ سواء أعلِمنا ذلک القانون أم جهلناه، وحتى إنْ تعلّقت إرادة الإنسان بتغییره؛ فإنّها لا تستطیع فعل ذلک؛ لأنّ الله تعالى لم یترک الکون لمزاج الإنسان وهواه المتقلّب. مع العلم أنّ قانون السببیّة لا یتعارض مع قانون الأجل، فلکلّ أجل کتاب، وقانون التدافع یُنهض الذوات إلى التعارف والتنافس بقصد التفوّق والتمیّز. کما إنّ الأسباب تجری مع مسبّباتها، والآجال تلحق نهایاتها من غیر وقوع التعارض أو التناقض بین السُّنَّتین فی الحیاة والکون والتاریخ.
[1] باحث فی الفکر الإسلامیّ، من المغرب.
[2] سورة فاطر، الآیة 43.
[3] سورة الفرقان، الآیة 2.
[4] برغوث، عبد العزیز: "ملاحظات حول دراسة السنن الإلهیّة فی ضوء المقاربة الحضاریّة"، مجلة إسلامیّة المعرفة، مجلة فصلیّة علمیّة محکّمة تصدر عن المعهد العالمی للفکر الإسلامی، العدد49، السنة13، 1428هـ.ق/ 2007م، ص18.
[5] العلوی، محمد بن الحسین (الشریف الرضی): نهج البلاغة (الجامع لخطب الإمام علی (ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر؛ مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، الخطبة190، ص131.
[6] الشاذلی، إبراهیم (سید قطب): فی ظلال القرآن، ط11، القاهرة، دار الشروق، ج5، 1405هـ.ق/ 1985م ص11.
[7] الغزالی، محمد: سرّ تأخّر العرب والمسلمین، ط2، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزیع، 1996م، ص10.
[8] سورة الأحزاب، الآیة 62.
[9] سورة فاطر، الآیة 43.
[10] سورة النساء، الآیة 122.
[11] زیدان، عبد الکریم: السنن الإلهیّة فی الأمم والأفراد والجماعات، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1993م، ص7.
[12] انظر: ملکاوی، فتحی حسن: منهجیّة التکامل المعرفی، المغرب، المعهد العالمی للفکر الإسلامیّ، 1434هـ.ق/ 2012م، ص135.
[13] هیشور، محمد: سنن القرآن فی قیام الحضارات وسقوطها، ط1، القاهرة، المعهد العالمی للفکر الإسلامی، 1999م، ص27.
[14] انظر: العلمی، إدریس: فقه سنن النفس والمجتمع فی السنّة النبویّة، مجلة الإحیاء، فصلیّة محکّمة تعنى بالعلوم الشرعیّة وقضایا الفکر الإسلامیّ، تصدر عن الرابطة المحمّدیّة للعلماء فی المغرب، العدد28، 1429هـ.ق/ 2008م، ص194.
[15] سورة آل عمران، الآیة 137.
[16] ابن فارس، أحمد بن زکریا: معجم مقاییس اللغة، تحقیق: عبد السلام محمد هارون، ط2، بیروت، دار الفکر، 1399ﻫـ.ق/ 1979م، ج3، ص60.
[17] لمزید من التفصیل فی التحدید الاصطلاحیّ للسنن الإلهیّة، انظر: حسین، فرحات أحمد: سنّة الله التی لا تتبدّل ولا تتحوّل، عمان، دار عمار، 1999م؛ الصدر، محمد باقر: السنن التاریخیّة فی القرآن، بیروت، دار التعارف، 1989م.
[18] سورة الکهف، الآیة 84.
[19] سورة فاطر، الآیة 43.
[20] القرضاوی، یوسف: العقل والعلم فی القرآن الکریم، القاهرة، مکتبة وهبة، 1996م، ص279.
[21] سورة یوسف، الآیة 111.
[22] انظر: ابن تیمیة، أحمد: الرد على المنطقیّین، ط1، بیروت، دار المعرفة، 1397هـ.ق/ 1959م، ص434.
[23] انظر: الأندلسی، ابن حزم: الفصل فی الملل والأهواء والنِّحل، بیروت، دار المعرفة، ج1، 1986م، ص6.
[24] سورة یس، الآیات 36-40.
[25] کنعان، أحمد محمد: "أزمتنا الحضاریّة فی ضوء سنّة الله فی الخلق"، ضمن سلسلة کتاب الأمّة، دوریّة فکریّة ثقافیّة تصدر کلّ شهرین عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامیّة فی قطر، العدد26، 1411هـ.ق ص68-69.
[26] سورة إبراهیم، الآیة 48.
[27] سورة السجدة، الآیة 17.
[28] سورة النساء، الآیتان 123-124.
[29] سورة الروم، الآیتان 40-41.
[30] سورة الزلزلة، الآیتان 8-9.
[31] ابن قیم، محمد: الجواب الکافی لمن سأل عن الدواء الشافی، دار الهدی للطبع والنشر، لا.ت، ص16-17.
[32] سورة الشورى، الآیة 28.
[33] سورة الأعراف، الآیة 95.
[34] ابن رشد، محمد بن أحمد: الکشف عن مناهج الأدلّة فی عقائد الملّة، الدار الأزهریّة للتراث، 2010م، ص173.
[35] سورة النمل، الآیة 65.
[36] ابن رشد، الکشف عن مناهج الأدلّة فی عقائد الملّة، م.س، ص173.
[37] انظر: م.ن، ص175.
[38] انظر: ابن رشد، الکشف عن مناهج الأدلّة فی عقائد الملّة، م.س، ص176.
[39] سعید، جودت: حتى یغیروا ما بأنفسهم، أبحاث فی سُنن النفس والمجتمع، ط8، دمشق، دار الفکر، 1989م، ص128.
[40] برغوث، ملاحظات حول دراسة السنن الإلهیّة فی ضوء المقاربة الحضاریّة، م.س، ص21.
[41] انظر: برغوث، عبد العزیز: "قضیّة السنن الإلهیّة فی الفکر الإسلامیّ المبکر"، مجلة إسلامیّة المعرفة، العدد44، السنة11، 1427هـ.ق/ 2006م، ص64.
[42] سید قطب، فی ظلال القرآن، م.س، ج5، ص2949-2950.
[43] رضا، محمد رشید: تفسیر المنار، ط2، القاهرة، الهیئة المصریّة للکتاب، 1947م، ج3، ص275.
[44] الخطیب، محمد عبد الفتاح: "قیم الإسلام الحضاریّة، نحو إنسانیّة جدیدة"، ضمن سلسلة کتاب الأمّة، السنة30، العدد139، 1431هـ.ق/ 2010م، ص182.
[45] ابن عاشور، محمد الطاهر: التحریر والتنویر، تونس، دار سحنون للنشر والتوزیع، 1997م، ج1، ص399.
[46] سورة الإسراء، الآیة 37.
[47] ملکاوی، منظومة القیم العلیا، م.س، ص139.
[48] جمال، محمد عاکف: تطوّر نظرة الإنسان إلى الطبیعة، ط1، العین، مطبعة الرافدین، 1987م، ص11.
[49] سورة الفرقان، الآیة 33.
[50] سورة فصلت، الآیة 52.
[51] سورة الروم، الآیة 41.
[52] سورة الأعراف، الآیة 96.
[53] سورة هود، الآیة 52.
[54] النیسابوری، مسلم: صحیح مسلم، کتاب الفتن وأشراط الساعة، باب اقتراب الفتن وفتح ردم یأجوج ومأجوج، ح2880.
[55] انظر: لوتز، نیتهامر: ما بعد التاریخ، هل انتهى التاریخ؟، ترجمة: فاضل جتکر، ط1، بیروت، دار المدى للثقافة والنشر، 1995م.
[56] انظر: الخطیب، قیم الإسلام الحضاریّة -نحو إنسانیّة جدیدة-، م.س، ص178-179.
[57] رضا، تفسیر المنار، م.س، ج4، ص139.
[58] انظر: م.ن.
[59] عبد الکریم، زیدان: السنن الإلهیّة فی الأمم والأفراد والجماعات، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1993م، ص14.