نوع المستند : المقالة الأصلية
المؤلف
جامعة
المستخلص
نقاط رئيسية
أولًا: سؤال الثورة ومعالم النظریّة الثوریّة
1. أصالة الروح فی الإنسان وأصالة المعنویّات فی التاریخ
2. الإنسان المحرّک الأساس للتاریخ
3. الظلم الاقتصادیّ أحد أوجه الظلم، والانقسام الاجتماعیّ لا یخضع لمعاییر اقتصادیّة
4. إنسانیّة الثورة الإسلامیّة
5. الثورة لیست تبدیلًا لمواقع القوّة والاستغلال
ثانیًا: من فقه الرسالة إلى فقه الثورة
1. جوهر المسار.. من فقه الرسالة إلى فقه الثورة
2. فقه الثورة والقراءات القاصرة
ثالثًا: أصول الثورة الحسینیّة
1. الثورة موقف وعی لا حالة انفعال
2. القیام لیس هدفًا فی ذاته
3. القیم هی الأصل
4. الانتصار الزمنیّ لیس شرطًا لنجاح الثورة
5. الثورة بین الشرعیّة والمشروعیّة
الكلمات الرئيسية
قیام الإمام الحسین (ع) وفقه الثورة -مقاربة لنظریّة الثورة فی الفکر الإسلامیّ-
الشیخ الأسعد بن علی قیدارة[1]
خلاصة المقالة:
کشفت انکسارات "الربیع العربی" وتداعیاته عن غیاب الوعی الثوریّ فی صفوف الأمّة، وصرنا نخشى أن تبقى الأجیال إلى حین أسیرة "إحباط ثوریّ" طویل الأمد. ومن هنا دعت الحاجة إلى إرساء معالم "نظریّة الثورة" من منظور إسلامیّ من خلال استدعاء أنموذج الثورة الحسینیّة الخالدة.
هذه المقالة هی محاولة فی هذا الدرب، وقد قامت على أربع خطوات رئیسة؛ هی:
- التأکید على فرضیّة أنّ الإسلام دین ثوریّ بطبعه یؤمن بالتغییر على أساس فلسفته الاجتماعیّة.
- الإسلام رسالة، ولکنه -أیضًا- سیرة تاریخیّة ومسار حضاریّ تکاملیّ تمثّل فیه ثورة الحسین (ع) حلقة بارزة، وهی من هذا المنظار ضرورة تاریخیّة فی سیاق التکامل التاریخیّ للدین؛ فهی تحافظ على فقه الرسالة وتوابعه؛ من فقه الفتنة، وفقه الهدنة، وتمهِّد لفقه العدالة.
- یبدأ تشکیل الوعی الثوریّ من خلال تخطّی الأفهام الخاطئة للقیام الحسینیّ وغیاب الرؤیة الواقعیّة لفقه الثورة.
- أرکان فقه الثورة -کما جسدتها الثورة الحسینیّة- هی: الوعی، القیم، اعتبار القیام وسیلة لا غایة، تأکید المفهوم الصحیح للانتصار، والجمع بین الشرعیّة والمشروعیّة.
هذه الفرضیات التی سعت المقالة إلى إثباتها هی منظومة متّسقة قد تکون جدیرة بأن تمثِّل أساسًا لنظریّة ثوریّة ممیّزة.
مصطلحات مفتاحیّة:
الثورة، الوعی الثوریّ، النظریّة الثوریّة، الثورة الإسلامیّة، أصالة الروح، فقه الرسالة، فقه الفتنة، فقه الهدنة، فقه الثورة، فقه العدالة، أصول الثورة الحسینیّة، الشرعیّة والمشروعیّة.
مقدّمة:
عرفت بعض البلاد العربیّة ثورات اجتماعیّة أسقطت أنظمة دکتاتوریّة، تسلّطت على رقاب العباد ومقدّرات البلاد عقودًا طویلة، وقد انتقلت هذه "الثورات" من موقع إلى آخر، وتدحرجت معها بعض الأنظمة کقطع الشطرنج. واعتقد العالم أنّ البلاد العربیّة أوشکت أن تقطع نهائیًّا مع أنظمة الاستبداد، وأنّ عصرًا جدیدًا للحرّیّة والسلطة الشعبیّة قد انبلج فجره، لکنْ تعثّرت جلّ هذه التجارب، وأُقحِمَت فی مسارات انتقالیّة ملیئة بالعقبات! ولا ندری هل تنجح فی الخروج منها؟ وهل تحقّق وعودها لشعوبها بالحرّیّة والرفاه والعدالة الاجتماعیّة؟
لسنا بصدد دراسة شاملة لهذه الثورات؛ بقدر ما نرید فهم واقع هذه التجارب، واستشراف مستقبلها، ومعرفة أسباب تعثّر بعضها، وإخفاق بعضها الآخر؛ وهو ما یمثّل هاجسًا لکلّ متابع غیور على مستقبل الأمّة.
مبدئیًّا، لا یملک الإنسان المنصف إلا أنْ یقف إجلالًا أمام أغلب هذه المحاولات فی التغییر؛ لأنّها تعبّر فی سیاقاتها الاستراتیجیّة عن رغبة جامحة فی التحرّر من التسلّط، وتأسیس أنظمة اجتماعیّة بدیلة؛ بما یکشف عن أنّ الشعوب مهما طال لیل الظلم والعسف؛ لا بدّ من أن تنتفض على جلادیها!
هذا، ومن الطبیعی أن تفشل ثورة هنا أو هناک، فتاریخ الثورات والانتفاضات الشعبیّة یعلّمنا أن نجاحها لیس حتمیًّا؛ لأنّ ذلک متوقّف على شروط ومقتضیات محدّدة. ومشکلة هذه الثورات أنّها فی الغالب لم تحقّق شروط النجاح! فهی لم تندفع على قاعدة من الوعی والرؤیة الفکریّة المتکاملة؛ بل کانت انفجارات اجتماعیّة حفّزها الحسّ والانفعال الغرائزیّ. ولذا؛ لعبت الصورة ومقاطع الفیدیو على شبکات الإنترنت دورًا مرکزیًّا فی تهییج الناس. وهی لم تتمکّن من تحدید أهدافها بدقّة، ولم تکن لها قیادات بارزة تلتفّ حولها الناس وتنصاع لأوامرها!
لقد خلّفت هذه التجارب المریرة إحباطًا ثوریًّا! عمّق أزمة القلق الثوریّ الذی تکابده أمّتنا منذ عقود! هذا القلق الثوری الذی عانقته شعوبنًا طویلًا، ولا تزال تختلج خفقاته وتصطدم کلّ یوم بإخفاقاته؛ ما یدعو بإلحاح إلى إرساء وعی ثوریّ فعّال؛ یتدارک الهزائم، ویؤسّس لواقع جدید، ویبشّر بمستقبل رغید.
والغریب أنْ تعیش شعوبنا هذا الاغتراب الثوریّ؛ وهی تملک رصیدًا تاریخیًّا وتراثیًّا زاخرًا غنیًّا تستطیع عبر فهمه وتمثّله أن تبنی الوعی الثوریّ المطلوب فی حرکات التغییر الکبرى! فلماذا تعیش شعوبنا القصور الثوریّ؟ وهل هی قادرة على بناء وعی ثوریّ متأصّل تستقیه من تجربتنا الحضاریّة العمیقة؟
فی سیاق هذا الإشکال المعاصر نستدعی ثورة الحسین (ع) لنقرأ قیام الإمام (ع)؛ بوصفه أنموذجًا فی العمل الثوریّ، ونتفقّه فی نهضته؛ بوصفها مرجعیّة فی فقه الثورة والإصلاح.
أولًا: سؤال الثورة ومعالم النظریّة الثوریّة:
تُعدّ نظریّة الثورة من العناوین المسکوت عنها تقریبًا فی أدبیّات الإسلامیّین؛ باستثناء بعض الکتابات القلیلة، التی ترافقت أساسًا مع قیام الثورة الإسلامیّة المبارکة فی إیران.
ویُلاحظ المتأمّل فی أدبیّات الثورة فی المکتبة العربیّة أنّ البحوث حول التغییرات الاجتماعیّة، من القضایا المهمّشة؛ على الرغم من أنّ التغییر والتبدّل من الظواهر البارزة للعیان، ولا تخلو منها حقبة زمنیة! "فحیاة البشر حیاة متغیّرة؛ وهذا من خصائص الإنسان"[2].
ویمکن عدّ الثورة نوعًا من أنواع التغییرات التی تشهدها حیاة الناس؛ "فهی تعنی حدوث تغییر نتیجة لانتفاض الناس وتمرّدهم على وضع معیّن"[3]. وبناءً علیه، تکون "کلّ ثورة تغییر، ولکنْ لیس کلّ تغییر ثورة"[4].
ویرى بعضهم أنّ الثورة هی الخیار الذی نلجأ إلیه عندما تعوزنا الأسالیب الأخرى فی تطویر الواقع والارتقاء به إلى الأفضل؛ فـ"الثورة الصحیحة هی الاحتجاج الحاسم النهائیّ على الواقع المعاش، فبعد أن تخفق جمیع الوسائل الأخرى فی تطویر الواقع؛ تصبح الثورة قدرًا حتمیًّا لا بدّ منه"[5].
ولا تنحصر الثورة بمجال من المجالات؛ بل هی تلامس میادین الحیاة، فتتنوّع بتنوّع البیئة التی ینطلق منها هذا التوق للتغییر الجذریّ المنبثق من حالة رفض واحتجاج على واقع غیر مقبول؛ فهناک الثورة العلمیّة، والثورة الثقافیّة، والثورة الصناعیّة، والثورة الأدبیّة، والثورة السیاسیّة...
ولا تخفى أولویّة الثورة الفکریّة والثقافیّة على الثورات الأخرى، فلا یمکن لمجتمع أن یتحرّر من تخلّفه الصناعیّ، أو السیاسیّ، أو العلمیّ، أو الاجتماعیّ، من دون منظومة أفکار جدیدة یتبنّاها، ومنظومة قیم یتمثّلها؛ تدعوه إلى التغییر الجذری فی هذه المجالات. وتاریخ الثورات الکبرى الناجحة فی العالم شاهد على ذلک.
فهذه سنّة من سنن التاریخ؛ لا تتبدّل ولا تتغیّر: {إنّ الله لا یغیر ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم}[6]، {ذلک أن الله لم یک مغیرا نعمةً أنعمها على قوم حتى یغیروا ما بأنفسهم وأن الله سمیع علیم}[7]. وفی الحدیث: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"[8].
إنّ أفکار الناس ومیولهم النفسیّة والشعوریّة تشکّل مرکز الثقل فی التغییر الاجتماعیّ التاریخیّ. فمنظومة الأفکار من جهة، ومنظومة القیم والاتّجاهات عند الناس؛ هی أساس الفعل الاجتماعیّ، وجوهر البناء والتغییر.
بل قد تتمتدّ منظومة الأفکار التی تؤثّر فی الناس إلى أعماق التاریخ، فنشهد للتراث الفقهیّ والعقدیّ سلطة معنویّة علیهم فی میولهم واتّجاهاتهم. ومن هنا، نفسّر ما ذهب إلیه بعض المعاصرین من ادّعاء استحالة بناء نظریّة الثورة فی ضوء خضوع الناس الفکریّ لمقولتی: "الخروج" و"الغلبة"؛ حیث یقول: "یصعب التوصّل إلى أیّ شکل من أشکال نظریّة الثورة فی ظلّ ثنائیّة: الخروج والغلبة، فالفکر الإسلامیّ الفقهیّ یبرّر قبول السلطان الجائر، ویرفض الخروج الذی یشبه الثورة المسلّحة ضدّ النظام فی عصرنا. قد یبرّر الخروج ضدّ نظام لا یطبّق الشریعة أو یأمر بالمعصیة، ولکنّ السائد تبریر النظام القائم، بما فی ذلک الخروج؛ إذا صار الخروج بذاته نظامًا قائمًا؛ أی إذا تغلّب"[9].
ولأجل ذلک، تمیّزت النظریّة الإسلامیّة بتفسیرها الإنسانیّ للثورة؛ مقابل النظریّات الوضعیّة التی أرجعت الثورة - بناءً على فهمها للتاریخ والعوامل المتحکّمة فیه- إلى الصراع الطبقی أو التناقضات بین القوى المتصارعة على الثروة والسلطة فی المجتمع، أو الجوع والحرمان والتهمیش التی تعانی منه فئات من الشعب، أو معادلات الصراع الدولی وسعی القوى الکبرى إلى إخضاع الشعوب والدول لمشیئتها ومصالحها...
من الطبیعیّ أن تتعدّد الاتّجاهات فی تفسیر الثورة؛ فکلّ منظِّر ینطلق من رؤیته الکونیة، وفلسفته الاجتماعیّة التاریخیّة فی تفسیر هذه الظاهرة، فبعضهم قد یتأثّر بفلسفته المادّیّة وإیمانه بأصالة العوامل المادّیّة فی التاریخ، فیُرجِع الثورات إلى عوامل اقتصادیّة (الصراع الطبقیّ، علاقات الإنتاج المرتبطة بأسلوب الإنتاج...)، فیما بعضهم قد یُرجع الثورات إلى دور الأبطال فی التاریخ وعبقریّة الأشخاص فی إحداث النقلات الکبرى فی تاریخ الشعوب. وفی التجارب الأخیرة فیما یسمّى بـ "الربیع العربیّ" التفت کثیرون إلى السیاسات الدولیّة ولعبة الأمم ودور الجهات الأجنبیّة فی تجنید الشباب باسم المنظّمات الأهلیّة، وتدریبهم على الدیمقراطیّة. کما مال بعض آخر فی تفسیر الثورات -وبتأثّر من التجارب الأخیرة فی البلاد العربیّة- إلى التوجیه الإعلامیّ والتضلیل الذی تمارسه الفضائیّات...
وواقع الأمر أنّ جمیع هذه الأطروحات محاولات قاصرة، لامست شعاعًا من شمس الحقیقة؛ فجمیع هذه العناصر تسهم قطعًا فی التحوّلات التاریخیّة الکبرى، لکنّ مشکلة هذه الأطروحات أنّها اختزلت محرّکات التاریخ وقواه فی عامل واحد!
ویظلّ الإنسان بإرادته الحرّة وفکره المتجدّد وشوقه إلى الحقّ والحرّیّة والعدالة؛ هو السرّ الأکبر لجمیع الثورات عبر التاریخ.
ولمّا کانت نظریّة الثورة ترتبط بالقاعدة الفکریّة، والمفهوم الفلسفیّ للعالم، والنظریّة الاجتماعیّة التاریخیّة، وأسس الوعی السیاسیّ؛ کان من الطبیعی أن تتمیّز النظریّة الإسلامیّة فی الثورة عن سائر النظریّات، وأن یکون لها نسقها الخاصّ وأسسها الفریدة؛ ومن ذلک:
1. أصالة الروح فی الإنسان وأصالة المعنویّات فی التاریخ:
بناءً على المفهوم الفلسفیّ التوحیدیّ للعالم والرؤیة الإیمانیّة للوجود، تعتقد المدرسة الإسلامیّة أنّ الأصالة فی الوجود هی للغیب، وأنّ المادّة لیست سوى تجلٍّ لعالم أسمى. وبالتالی، فإنّ مقولة أصالة الروح من المسلّمات، وتترتّب علیها نتائج خطیرة؛ لیس فی فهمنا للعالم والوجود فقط، بل فی فهمنا للتاریخ وحرکة الإنسان، ولطبیعة حاجاته؛ فالحاجات المعنویّة والفکریّة هی الأساس، والحاجات المادّیّة -مهما کانت ماسّة وضروریّة- تُعدّ ثانویّة أمام الأولى.
إنّ المتطلّبات المادّیّة تبرز فی وقت مبکر من حیاة الإنسان؛ وشیئًا فشیئًا تتفتّق فیه حاجاته المعنویّة؛ إلى درجة استعداده بالتضحیة بحاجاته المادّیّة من أجل الحاجات المعنویّة. فهو مستعدّ للتضحیة بوظیفته ومکانته الاجتماعیّة ولقمة عیشه -بل حیاته- من أجل وطنه وکرامته وحرّیّته ودینه!
هذه الحقیقة تنطبق على المجتمع کما تنطبق على الفرد؛ فکلّما ارتقى المجتمع وتکامل فی سلَّم الحضارة والتقدّم؛ کلّما تخطّى الحاجات المادّیّة، ولم تعد تمثّل أولویّاته، وتأصّلت بالمقابل المتطلّبات الفکریّة والمعنویّة.
إنّ منظومة الطغیان والدیکتاتوریّة تسعى دائمًا، من خلال الظلم السیاسیّ، والحیف الاجتماعیّ، والجور الاقتصادیّ، إلى إبقاء الإنسان أسیر حاجاته الحیویّة والمعیشیّة؛ لیظلّ کالبهیمة همّها علفها! فمنظومة الاستبداد تدرک جیّدًا أنّ تحرّر الناس من رِبقة المتطلّبات المادّیّة والمعیشیّة سیفجّر داخلهم الشوق والنزوع نحو الحقّ والعدل والحرّیّة.
ویبدو أنّ حرکة المجتمع الإنسانیّ تتّجه قدمًا فی هذا الاتّجاه؛ کما یرى الشهید مطهّری (قده)؛ حیث إنّ الإنسان بفضل تکامله الشامل یتحرّر تدریجیًّا من ارتباطه ببیئته الطبیعیّة والاجتماعیّة، ویتّجه نحو توثیق ارتباطه بالعقیدة والإیمان والإیدیولوجیا، وسیصل فی المستقبل إلى الحرّیّة المعنویّة التامّة المتمثّلة فی الارتباط التامّ بالعقیدة والإیمان والمدرسة الفکریّة[10].
2. الإنسان المحرّک الأساس للتاریخ:
تتمیّز النظریّة الثوریّة الإسلامیّة بالإیمان بتعدّد العوامل الفاعلة والمؤثّرة فی تاریخ البشریّة وقیام الحضارات؛ وهی بذلک ترفض النظریّات الأحادیّة التی تغالی فی دور بعض العناصر، وتجعلها المحدّد الوحید لمستقبل الإنسان ومصیر الأمم، وتنحو منحىً موضوعیًّا یعترف بجمیع القوى: الطبیعة، الإنسان، والأوضاع الاقتصادیّة...
لکنّ هذه النظریّة تؤکّد أنّ الأصالة للإنسان؛ فهو الفاعل والمؤثّر الأساس؛ فلا تاریخ بلا إنسان، ولا ثورات من دون بشر.
والإنسان یصنع الحدث ویفجّر الثورات؛ بمقدار ما یمتلک من وجود تاریخیّ وازن، فالتاریخ شهد عبور ملایین، -بل بلایین- الأشخاص، ولکنْ قلّة قلیلة هی التی تُدرک هذا الدور وهذه الرسالة وتؤدیهما.
هذا الوجود التاریخیّ الوازن یشخّصه وعی الإنسان وفکره من جهة، ومشاعر الإنسان وعواطفه من جهة أخرى. فهذا المرکّب الداخلیّ للإنسان -من فکر وشعور ووعی ومیول- یمثّل مرکز الثقل التاریخیّ للإنسان.
وهکذا، کلّما تعمّق فکر الإنسان ووعیه، وفَهِم موقعه الوجودیّ ورسالته فی الزمن؛ کلّما سمت میوله وارتقت مشاعره؛ لتتعلّق بالقیم والحقّ والعدل، وتعزّزت قابلیّته للثورة والتمرّد على نُظم التخلّف والظلم والتعدّی على کرامة الإنسان وحقوقه.
إنّ المثل الأعلى الذی یرتبط به الإنسان هو الذی یصبغ هذا المرکّب الداخلیّ بصبغة خاصّة. وعقیدة التوحید الذی یکون الله فیها المثل الأعلى المطلق للمؤمن: {ولله المثل الأعلى وهو العزیز الحکیم}[11]، تصبغ هذا المرکّب بصبغة الله: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}[12].
وینبّه الشهید الصدر[13] إلى خصوصیّة هذه الصبغة الربّانیّة؛ مقارنة مع المثل العلیا الأخرى التی یمکن أن یتمثّلها الإنسان: المثل الأعلى المنخفض الذی یحوِّل الإنسان إلى مجرّد خانع للواقع وأسیرٍ للسائد؛ وبالتالی، لا یُتوقّع من إنسان کهذا الثورة والقیام، والمثل الأعلى المحدود الذی وإنْ کان یمنح الإنسان -ابتداءً- شیئًا من الدینامیّة التاریخیّة؛ باعتبار ما یقدّمه من أهداف تتخطّى نسبیًّا الواقع المعاش، لکن سرعان ما یتحوّل إلى قید یکبّل الإنسان ویسقطه فی التکرار والاجترار.
ولذلک؛ یمکن الجزم -ومن منطلق حضاریّ- أنّ الثورات لم تقمْ إلا بفضل طلیعةٍ أو جماهیر تخلّصت من تقدیس السائد وتبریره، وعاشت التعلّق بأهداف أسمى من ذلک الواقع.
3. الظلم الاقتصادیّ أحد أوجه الظلم، والانقسام الاجتماعیّ لا یخضع لمعاییر اقتصادیّة:
للظلم فی التاریخ وجوه متعدّدة؛ بعضها أسبق من ظهور الملکیّات الفردیّة والاستئثار بالثروات الطبیعیّة. ولذلک، لا یصحّ ربط الظلم فی التاریخ بالعوامل الاقتصادیّة فقط.
إنّ جذور الظلم تنبع من الجدل الداخلیّ فی أعماق الإنسان والصراع الجوّانیّ الذی یعیشه؛ بین النزوع نحو قیم الحقّ والعدل والحبّ والحرّیّة من جهة، وبین رغباته وشهواته ودواعی إنّیّته من جهة أخرى!
هذا الجدل هو جوهر الصراعات الاجتماعیّة التی قد تأخذ أبعادًا اقتصادیة، وقد تتلبّس لبوسًا سلطویًّا سیاسیًّا، وقد تتمظهر بقداسة دینیّة، وقد تتفجّر نتیجة عصبیّات قومیّة وعرقیّة ومذهبیّة...
فی ضوء هذه القراءة لطبیعة الظلم -عمومًا- ومنشئه، یُخطِىء مَنْ یحصر التقسیمات الاجتماعیّة فی البعد المادّیّ وعلاقات الإنتاج؛ فالأساس عند هؤلاء الصراع بین المستغِلِّین والمستغَلِّین، وبین الفقراء والأغنیاء، وبین من یملک وسائل الإنتاج ومن لا یملک...
إنّ النظریّة الإسلامیّة فی الوقت الذی لا تنکر فیه هذه الانقسامات التی تمثّل مظهرًا من مظاهر اختلال العدالة الاجتماعیّة، وشکلًا من أشکال التوزیع المجحف للثروات؛ تسعى إلى التخفیف من حدّتها؛ بل تعمل على إلغاء هذه الفوارق المجحفة بین الناس، وتکرّس الحقّ الأصلی لجمیع الناس فی جمیع ثروات المجتمع: "المال مال الله وأنا عبده"[14]. وعن الإمام علی (ع)، وعنه (ع) -أیضًا-: "ما متّع غنی إلا بما حرم فقیر"[15]، لکنّها لا تؤمن بأنّ الأساس فی التقسیم هو الانتماء الطبقیّ، أو الانتماء إلى فئات المحرومین والمهمّشین؛ فربَّ ثری یتمرّد على طبقته، وینخرط فی ثورات أو دعوات تنتصر للمستضعفین والمحرومین، وتاریخ الأدیان یعجّ بنماذج لشخصیّات لم یمنعها انتماؤها الطبقیّ من اللحاق بقوافل المؤمنین المضحّین. وبالمقابل؛ کم من محروم مهمّش یسقط ألعوبة فی ید الظالمین، فیتحوّل سوطًا بید الجلاد، وعینًا للطاغیة، وحارسًا أمینًا لمصالح المترفین!
وفی التاریخ نرصد أنّ الثورات لم تقتصر على الطبقة المحرومة؛ بل نهض فیها أفراد نشؤوا فی طبقات مرفّهة، ووقفوا بوجه النظام الحاکم بقوّة وبسالة؛ کنهضات إبراهیم (ع)، وموسى (ع)، ومحمد (ع)، والحسین بن علی (علیهما)؛ فالأساس فی التصنیف الاجتماعیّ هو الانتماء الفکریّ والموقف من الظلم والظالمین؛ ولأجل هذا نرى القرآن الکریم یتحدّث عن المؤمنین والکافرین والمنافقین، وفی السیاقات الاجتماعیّة یتحدّث عن الظالمین والمترفین والمستضعفین والمستکبرین...
ومن هنا، طرح أحد المفکّرین المعاصرین[16] تقسیمًا للمجتمع إلى ستّ فئات؛ هی:
- أعوان الظلمة أو الظالمون المستضعفون.
- الحاشیة.
- الهمج الرعاع.
- ظالمو أنفسهم.
- الرهبانیّون؛ المنسحبون من معرکة الحقّ والباطل.
- المستضعفون.
والتفکّک الاجتماعیّ هو فی الواقع سمة من سمات المجتمعات الفرعونیّة التی تتسلّط فیها قوى طاغیة ظالمة؛ تعمل على تفکیک عُرى المجتمع، ونسف أواصر المودّة والتکامل بین فئاته؛ وذلک للحیلولة دون أیّ شکل من أشکال الوحدة والتلاحم الاجتماعیّ؛ لما فی ذلک من خطورة على ترکیبة المجتمع الفرعونیّ، وموقع قوى الاستعلاء والاستکبار فیه.
4. إنسانیّة الثورة الإسلامیّة:
تنطلق الثورات الطبقیّة من عقدة الانتماء إلى طائفة أقلّ شأنًا أو فئة؛ سُلبت بعض حقوقها، وتضرّرت مصالحها.
لذا، تعتمد هذه الثورات على "الشحن الثوریّ" ضدّ المستغِلِّین والطبقات المستغِلَّة. لکنّ صراع الأنبیاء (عله) مع الظلم والاستغلال لم یتّخذ طابعًا طبقیًّا؛ کما هو حال کثیرٍ من الثورات الاجتماعیّة؛ لأنّه کان ثورة إنسانیّة لتحریر الإنسان من داخل، قبل کلّ شیء، ولم یکن جانبه الثوریّ الاجتماعیّ إلا بناءً علویًّا لتلک الثورة[17].
فالثورة -من منظور إسلامیّ- تنطلق من مشاعر إنسانیّة؛ لأنّ الثائر المنتمی إلى هذه المدرسة لا یرى قیمة الإنسان مستمدَّة من امتلاکه للثروة، أو للأرض، أو غیرهما من الوسائل؛ حتّى یکون التوجّه نحو استرداد الموقع الاجتماعیّ هو الأساس فی حراکه؛ بل یرى قیمته کامنة فی انتمائه لقیم الحقّ والعدل والحرّیّة، ومدى تضحیاته فی سبیل هذه القیم. وبالتالی، فهو ینتفض من أجل الحقوق المادّیّة، ویثور لأجل حقوقه المعیشیّة والسیاسیّة المهدورة، ولکنْ لا لأجل المکتسبات المادّیّة فقط؛ بل یثور نصرة للحقّ والعدالة أساسًا، ورفضًا للظلم، ونبذًا للباطل. ولأجل ذلک یرتضی هذا الثائر الربّانیّ نتیجة عمله، وإنْ لم ینجح فی استرجاع حقوقه، ولم یفلح فی تغییر معادلات التوزیع الجائر للثروة والسلطة؛ لأنّ المهمّ لدیه أنْ یعمل بکلّ ما أوتی من قوّة من أجل اقتلاع شجرة الظلم، وأن یؤدّی رسالته فی هذا الطریق؛ بَلَغ مراده أم لم یبلغ. وکلّما عظمت تضحیاته على هذا الدرب؛ تعزّز موقعه فی مراتب الثائرین. عن رسول الله (ص): "فوق کلّ ذی برّ برّ حتّى یُقتل المرء فی سبیل الله؛ فلیس فوق ذلک برّ"[18].
إنّ جذور الثورة الإسلامیّة تنبع من أعماق فطرة الإنسان وانشداده الطبیعیّ للحقّ والحبّ والعدالة والحرّیّة والمساواة، فالإنسان الفطریّ یشمئزّ وینفر من کلّ مظاهر الظلم و الجور والحیف. والنضال الذی یندفع نحوه هذا الثائر الربّانیّ نصرة للدین والحقّ والقیم، لا بدّ من أن یعکس هذا التوجّه الفطریّ القیمیّ، فلا یسقط فی الأحقاد، ولا یخضع للإیحاءات الغرائزیّة، ولا یرنو إلى أمجاد شخصیّة ومصالح فئویّة ضیّقة.
ومن هنا، کان أسلوب التوعیة الثوریّة مختلفًا فی المدرسة الإسلامیّة؛ وقد فصّله الشهید مطهّری (قده) فی کتابه "المجتمع والتاریخ"؛ وهو فی الجوهر یقوم على إرساء مخزون قیمیّ إنسانیّ؛ بعیدًا عن الغرائزیّة والتأجیج الطائفیّ والعنصریّ والتحریض ضدّ الآخر، فالوعی الثوریّ فی مدرسة الثورة الإسلامیّة یستند إلى وعی کونیّ؛ وهو یبدأ فی مرحلة أولى من مسؤولیّة الإنسان أمام الکون والوجود؛ من خلال معرفة الله ومعرفة المعاد؛ لأنّ إثارة المسؤولیّة الاجتماعیّة هی جزء من إثارة مسؤولیّته أمام الکون.
وفی مرحلة ثانیة، تتّجه التوعیة الثوریّة نحو إشعار الإنسان بکرامته وشرفه ومکانته الوجودیّة الفریدة.
وفی مرحلة ثالثة یُرکّز الخطاب على التوعیة الاجتماعیّة، وعلى الحقوق والمسؤولیّات: {وما لکم لاتقاتلون فی سبیل الله والمستضعفین من الرجال والنساء والولدان الذین یقولون ربنا أخرجنا من هذه القریة الظالم أهلها واجعل لنا من لدنک ولیا واجعل لنا من لدنک نصیرا}[19]. وفی هذه المرحلة یحثّ الإسلام المؤمنین على رفض الظلم والدفاع عن المال؛ لیس من باب الحرص والطمع؛ بل تحریکًا للدفاع عن الحقّ، بوصفه قیمة إنسانیّة واقعیّة، ویحثّهم على الدفاع عن العرض؛ لیس تضخیمًا لشهوة الجنس؛ بل تشجیعًا للدفاع عن أکبر نوامیس المجتمع؛ وهو العفة.
5. الثورة لیست استبدالًا لمواقع القوّة والاستغلال:
فی الثورات الطبقیّة، عادة ما تقود الدینامیکیّة الاجتماعیّة التی تُحدثها الترکیبة الطبقیة إلى استبدال مواقع الاستغلال. ویتصدّى بالتالی جزء -على الأقلّ- من الفئات المحرومة الثائرة للسلطة، ویتحکّم فی توزیع الثروة، وغالبًا ما تستأثر بالأمر هذه الفئة التی یغریها رغد العیش ویسحرها وهج السلطة والنفوذ، فتکرّس بدورها فرعونیّة تسلّطیّة جدیدة تتبجّح بالمشروعیّة الثوریة؛ وهی فی الواقع تدوس على کلّ قیم الثورة التی جاءت بها وتحطّمها.
ویشهد التاریخ أنّ ثورات عدیدة خیّبت آمال أتباعها، وانقلبت على الشعارات التی رفعتها. وفی هذا السیاق نتفهّم ما حصل فی تجارب "الربیع العربی"، وقبل ذلک تجربة العراق وتسلّم الإسلامیّین السلطة، حیث فشلت کلّ هذه التجارب فی تقدیم أنموذج ثوریّ رسالیّ یجسّد بالفعل أحلام الجماهیر فی العدالة، ویعبّر عن صدق هؤلاء الذین جاؤوا باسم الثورة على الظلم ورفض الطواغیت، فسرعان ما انقلبت علیهم الجماهیر وأقصتهم کلّیًّا أو جزئیًّا من السلطة؛ بعدما خابت آمالها. وتبیّن أنّ هؤلاء لا یختلفون عن الطواغیت الذین ثاروا علیهم، ولا عن العصابات الاقتصادیّة البائدة التی استأثرت بالمال والثروات.
أمّا المدرسة الإسلامیّة، فقد حرصت على تربیة الثائرین تربیةً تقوم على المبدئیّة والانتصار على الذات قبل کلّ شیء، فالذی لا ینتصر على ذاته فی إیحاءات أهوائها وغرائزها ونزعاتها وجنوحها للشرّ؛ لا یمکن له البتّة أن ینجح فی أیّ عمل ثوریّ ینتصر فیه للحقّ والقیم. فکیف لمن هُزِمت القیم فی داخله أن یکون حارسًا لها فی المجتمع؟! وکیف لمن سقط فی أسر العصبیّة والأنا والحسابات الضیّقة فی أعماق ذاته أن یدافع عن الإنسانیّة والحقّ والعدل فی معترک الصراع الاجتماعیّ؟ من هنا، کان المیدان الأوّل هو النفس؛ متى ما انتصر الإنسان علیها کان على غیرها أقدر!
هذه المدرسة تربّی الثائرین على أنّ خصومتهم لیست مع الظالمین؛ بوصفهم أشخاصًا، فهم لا ینطلقون فی مواجهة هؤلاء من عقدة شخصیّة؛ لأنّهم اعتدوا على حقوقهم وکرامتهم؛ بل ینطلقون من حرص على مصالح الجمیع ومن غیرة على مصیر الجمیع؛ بما فیهم الظالمین أنفسهم. فهم یدرکون أنّ هؤلاء لا بدّ من أن یتحرّروا من نزوعهم إلى التسلّط والاستئثار: {اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لک إلى أن تزکّى وأهدیک إلى ربک فتخشى}[20].
إنّ الثائر الربّانیّ، کما یهمّه تحریر المظلومین من ربقة الجور والحیف والاستضعاف، کذلک یعنیه تحریر الظالم من عُقَدِه ومن توجّهاته السلطویّة؛ "وهذا الأساس... یقوم على تربیة الثائرین وتعبئتهم؛ من أجل استئصال مشاعر الحرص المسعور على طیّبات هذه الحیاة الدنیا وثرواتها المادّیّة؛ سواء أکان حرصًا مسعورًا فی أنفس المستغِلِّین أم کبتًا فی نفوس المحرومین"[21].
ثانیًا: من فقه الرسالة إلى فقه الثورة:
لا یقدِّم الإسلام رؤیة فی الثورة فحسب؛ کما حاولنا استیحاء أسسها فی الفقرة السابقة، ولا یکتفی ببناء عقیدة ثوریّة تقوم على مناهضة الظلم والاستبداد، ومقارعة الفراعنة والمفسدین، والمناداة بالعدالة والحقوق المشروعة للمحرومین والمستضعفین، ولا یتوقّف عند بشارات النصر لهؤلاء المستضعفین والوعد بأفول لیل الظالمین والطغاة: {ونرید أن نمنّ على الذین استضعفوا فی الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثین}[22]، {ولقد کتبنا فی الزبور من بعد الذکر أنّ الأرض یرثها عبادی الصالحون}[23]؛ بل إلى جانب ذلک کلّه، یرسم الإسلام مسارًا تاریخیًّا، من خلال عقیدة النبوّة والإمامة، یصون به الأهداف الإلهّیة والوعد الإلهّی بانتصار ثورة المستضعفین وسیادة منظومة الحقّ والعدل والحرّیّة. وقد قطع هذا المسار أشواطًا، وما زال أمامه شوط تتویجیّ نهائیّ تتجلّى عبره عصارة المسیرة البشریّة ونهایات التاریخ.
إنّ فهم هذا المسار التاریخیّ الزاخر بالتضحیات والجهاد، یمثّل شرطًا مهمًّا من شروط الثورة ومقدّمة ضروریّة للوعی الثوریّ.
ولذلک استعصى على کثیرین قراءة الإسلام قراءة أصیلة؛ لمّا أهمل دراسة سیر تلک القافلة الربّانیّة؛ قافلة الأنبیاء (عله) والأئمّة (عله)، واستغرق فی تحلیل النصوص والمرویات، ومحاولة معالجة تعارض الروایات والأخبار، أو تأویل الوقائع والحوادث مع ضروراته المذهبیّة والفئویة!!! فطغت القراءات التبریریّة للدین التی تسعى إلى تغطیة الواقع، لا لتغییره وقلب معادلاته.
1. جوهر المسار.. من فقه الرسالة إلى فقه الثورة:
نحاول -هنا- أن نقرأ تجربة الإسلام التغییریّة، لا من منظور نصّیّ متعال؛ بل من منظور تاریخیّ دینامیکیّ؛ أی أن نقرأ التجربة فی حرکتها وصیرورتها فی الماضی والحاضر والمستقبل.
فبعد التأمّل فی حرکة الرسول محمد (ص) ومسار الدعوة من بعده، وسیرة الأئمّة الأطهار الذین سعوا إلى إنقاذ هذه الرسالة الثوریّة من عثرات التطبیق، ومن مؤامرات المصادرة من الداخل والخارج، یمکن تقسیم تجربتهم (عله) فی رؤیة کلّیّة إجمالیّة إلى خمس محطّات کبرى؛ تعبّر کلّ محطة عن سفر محدّد، یشکّل جزءًا من الرشد الثوریّ فی التعاطی مع الواقع والمرحلة. وهذه الأسفار هی:
- فقه الرسالة:
ویعبّر عن تجربة رسول الله (ص)؛ والتأسیس الثوریّ للدین، والبناء الرسالیّ للأمّة.
- فقه الفتنة:
ویعبّر عن مسیرة الإمام علی (ع) فی مواجهة الصدمة التی تلقّتها الأمّة بعد رحیل رسول الله (ص)؛ والانحراف الخطیر الذی أخذه مسار الدین الجدید، وتصاعد هذا الخطّ فی فتن متجدّدة: فتنة الناکثین، والقاسطین، والمارقین. لقد شکّلت مواجهة الإمام علی (ع) لکلّ هذه الفتن -وبالخصوص لفتنة الخوارج- منهجًا شرعیًّا متکاملًا فی التعاطی مع مثل هذه المخاطر، کلّما تجدّدت وأطلّت برأسها. ولولا تجربة الإمام علی (ع) فی التاریخ؛ لخسرنا فقه الفتنة، ولعُدمنا جرأة مواجهة العدید من هذه المشخّصات الفتنویّة؛ لتلبّسها بلَبوس القداسة تارةً، ورفعها شعارات محقّة زورًا وبهتانًا تارة أخرى؛ لأنّها "کلمة حقّ أرید بها باطل"[24].
- فقه الهدنة والمصالحة:
وهو یعبّر عن تجربة الإمام الحسن (ع)؛ فلمّا سقط من ید فقه الرسالة إمکانیّة المواجهة للفتن الداخلیّة واستئصال جذورها؛ لزم العمل على محاصرتها بأسلوب آخر. ولولا تجربة الإمام الحسن (ع) لخسرت النظریّة الثوریّة الإسلامیّة أسلوبًا من أسالیب حفظ الرسالة وحمایة الطلیعة الثوریّة.
- فقه الثورة:
وهو ما جسّده الإمام الحسین (ع)؛ فکان تتویجًا لانتصار الرسالة وبلوغ أنصارها قمّة العطاء فی التضحیة والفداء. وفی هذا السفر، تتّخذ الرسالة لون الثورة فی المضمون والطریقة. وتبلغ مرتبة الاحتجاج على التحریف والتزییف أقصى مداها، وتنکسر مؤامرة تحریف الدین وتزییفه. "إن کان دین محمد لا یستقیم إلا بقتلی فیا سیوف خذینی"[25]، "الإسلام محمّدیّ الوجود حسینیّ البقاء"[26]. وفی ضوء هذه الفلسفة نفهم قول رسول الله: (ص): "حسین منّی وأنا من حسین"[27].
لقد مثّل هذا السفر المخزون الاستراتیجیّ للوعی الثوریّ للأجیال عبر التاریخ، وهذا الفقه غدا مدرسة معطاءة تخرِّج قوافل الشهداء والأبطال الذین ینتفضون على الظلم وأشکال التحریف والتزییف، وکلّ مؤامرات المتربّصین بالأمّة ودینها، وطلائعها المقاومة، فتطیح فی کلّ منعرج بهذه الخطط المتهالکة، وتحبط فی کلّ مرّة مساعیهم.
هذا السفر لا یستمدّ قیمته من استجابته للّحظة التاریخیّة التی ولد فیها فحسب؛ بل إنّ کثیرًا من عناصر
قوته ترتبط بمستقبل الدین والرسالة، ومآلات الأمّة والبشریّة؛ فثورة الحسین (ع) فی منظومة الوعی الشیعیّ الفعّال لا تنفصل عن ثورة المهدیّ (عج): "أین الطالب بدم المقتول بکربلاء..."[28].
- فقه العدالة:
وهو الفقه الذی یقود العالم إلى النهایات السعیدة التی بشَّرت بها الرسالة منذ إعلانها، مع الإمام المهدی المنتظر (عج)، ولکنّ السیاقات التاریخیّة لحرکة الدعوة وملابسات الصراع مع الفتن الداخلیة، أجّلت هذا الهدف إلى حین. إنّه الیقین الجازم بحتمیّة قیام المجتمع العالمیّ العادل الذی یسود فیه الحقّ والقسط ویرث المستضعفون الأرض: {وعد الله الذین آمنوا منکم وعملوا الصالحات لیستخلفنهم فی الأرض}[29]، {وأورثنا القوم الذین کانوا یستضعفون مشارق الأرض ومغاربها}[30].
هذا التسلسل التاریخیّ فرضته التحدّیات التی واجهها الإسلام فی صیرورته التاریخیّة؛ حیث بدأت بالخلافات التی نشبت بین المسلمین بعد وفاة الرسول (ص)، وامتدت لتتحوّل إلى فتن عمیاء طخیاء کادت تعصف بالرسالة الجدیدة فی فضاء جزیرة العرب وبین ضجیج القبائل وجعجعة الفتن! "ألبس الإسلام لبس الفرو مقلوبًا"[31]، وامتدّ الصراع واتّسعت هوة الانحراف حتّى انبرت الأمّة إلى أبناء الرسول وذراریه تقاتلهم وتحاصرهم؛ وهم الذی أوصى الرسول بهم خیرًا؛ کما أمره الوحی: {قل لا أسألکم علیه أجرًا إلا المودة فی القربى}[32].
لقد أدّى أئمّة الحقبة الأولى من عصر الوصایة الإلهّیة دورًا تاریخیًّا فریدًا فی محاصرة الفتنة وتقیید صنّاعها وإلجامهم. ولمّا بلغت الفتنة أوجها وغدت تهدّد أصل الدین وکیانه؛ کان القیام والثورة والخروج عن السلطة؛ فأدّى فقه الثورة دورًا مزدوجًا؛ من خلال صیانة فقه الرسالة وفقه الفتنة وفقه الصلح من الضیاع والتلاشی؛ من جهة، وبناء أساس فقه العدالة؛ من جهة أخرى؛ فعدالة المهدیّ (عج) عدالة ثوریّة؛ فهو کما نصّت روایات متضافرة "یخرج بالسیف"[33]، وبه تتوَّج المسیرة الإنسانیّة وتؤشِّر إلى نهایة التاریخ.
إنّ هذه الأسفار الخمسة تشکّل منظومة الوعی الثوریّ الکامل الذی یلخّص جوهر الإسلام؛ بوصفه رسالة جاءت لتغییر کلّ الأوضاع الفاسدة، وإعادة بنائها على قاعدة قیم الحقّ والعدل والحرّیّة، وحمایة هذا الدین من أشکال التحریف والتزییف والإلغاء.
2. فقه الثورة والقراءات القاصرة:
لم تکن الثورة الحسینیّة حدثًا عابرًا؛ بل مثّل محطّة کبرى ومنعرجًا حاسمًا فی المسار التاریخیّ للدین الإسلامیّ.
ولکنّ العقل الإسلامیّ -عمومًا- والعقل الشیعیّ –بالخصوص- وقعا فی تعاطیهما مع الثورة فریسة مقولات ومعادلات حجبت عنهما دلالات الواقعة وأسرارها، فتورّطا فی قراءات سطحیّة، وأحیانًا تزویریّة!
وبالنسبة إلى العقل الإسلامیّ العامّ -الذی لا یؤمن بإمامة الحسین (ع) بالمعنى الخاصّ، ولا بموقعه الدینیّ والسیاسیّ الواقعی- فإنّه لم یستطع أن یستوعب سرّ القیام وفلسفة الخروج على یزید. فعلى الرغم من أنّ أغلب علماء المسلمین فی هذه الدائرة (العامّة) یحبّون الحسین (ع) سبط رسول الله (ص)، ویتعاطفون معه، ولا یرون لیزید الشرعیّة فی الحکم؛ فقد وقع بعضهم فی شباک مبدأین شوّشا علیهم صفاء الرؤیة، وغیّبا عنهم وضوح التحلیل؛ وهما:
- المبدأ الأوّل: عدم شرعیّة الخروج على السلطان؛ مهما کان ذلک السلطان متغلّبًا ومتسلّطًا!
- المبدأ الثانی: تقویم الثورة؛ حسب نتائجها المباشرة وما آلت إلیه المواجهة.
فبناءً على المبدأ الأوّل خطَّأ بعضهم الإمام الحسین (ع)؛ لأنّه خرج على السلطان وبثّ الفتنة فی الأمّة! وشقّ عصا المسلمین. وفی روایات کثیرة حذّر الرسول (ص) الأمّة من کلّ من یهدّد وحدتها، ویشقّ عصا طاعتها، وتوعّد مثیری الفتنة بالعقاب الأقسى والأشدّ؛ بل نصّ صراحة على ضربه بالسیف کائنًا مَنْ کان. فکانت النتیجة أنّ الحسین (ع) قُتِلَ بسیف جده! وهذا ما ذهب إلیه أبو بکر ابن العربی (ت: 1148م)، ویشارکه فی التخطئة ابن تیمیّة (ت: 1328م). وهذا لیس مستبعدًا؛ فقد عمل حکّام الجور، بعد واقعة کربلاء، على سلب شرعیّة ثورة الإمام الحسین (ع)، ودأبوا على إظهارها على أنّها عمل غیر صحیح، ووصفوها بأنّها خروج على خلیفة ذلک الزمان؛ لیسدّوا بذلک الطریق أمام أیّ ثورة تشابهها[34].
واستنادًا إلى المبدأ الثانی، یرى ابن خلدون أنّ الحسین (ع)، وإنْ کان مؤهّلًا لرفع ظلم یزید وفسقه؛ قد أخطأ فی حساباته العسکریّة، وفی تقییمه لقوّة عدوّه. إنّ ابن خلدون بذلک، وإنْ لم یقرّ بشرعیّة یزید ولم ینکر شرعیّة الخروج، قد قاده تقییمه القاصر لنتائج الثورة الحسینیّة إلى أن یتوهّم خطأ الإمام الحسین (ع) فی حساباته!
ومن المؤسف جدًّا أن نرى النزعة المذهبیّة تتصاعد مع بعض الباحثین المعاصرین، ویتصاعد معها النزوع إلى إصباغ الشرعیّة على یزید، واستنکار خروج الحسین (ع)؛ فی موقف یخالف مشهور القدامى الذین لا یقرّون بشرعیّة یزید ویعدّونه من حکّام الجور؛ کالتفتازانیّ فی شرح العقائد النسفیّة[35]، وجلال الدین السیوطیّ فی تاریخ الخلفاء[36]، وغیرهما...
وأمّا على مستوى البحث الإمامیّ الذی لا یشکّ البتّة فی شرعیّة الثورة وحقّانیّة الموقف الحسینیّ، نجد تفسیرات مُربکة؛ نتیجة ربط الحدث بمقولات؛ نستعرضها مع بیان نتائجها فی الآتی:
- المقولة الأولى: علم الإمام (ع) وعصمته:
قاد الاستغراق فی المقولة الأولى إلى إرباک لدى بعض الباحثین، فکیف یُقدِم المعصوم (ع) مع علمه القطعیّ بشهادته وقتل أنصاره وسبی نسائه على المواجهة؟ ألیس هذا إلقاءً للنفس فی التهلکة؟
ففی کلام للإمام مع أخیه محمد بن الحنفیّة، قال (ع): «أتانی رسول الله (ص)، بعد أن فارقتک، فقال: یا حسین اخرج؛ فإنّ الله قد شاء أن یراک قتیلًا». فقال محمد بن الحنفیّة: إنا لله وإنّا إلیه راجعون، فما معنى حملک هؤلاء النساء وأنت تخرج على مثل هذا الحال؟ قال (ع): «قال لی رسول الله: شاء الله أن یراهنّ سبایا»[37].
ومن جهةٍ أخرى، لمّا کانت العصمة المطلقة للإمام (ع) من ضرورات المذهب؛ اتّجه بعض العلماء إلى تفسیر الموقف على أنّه تکلیف خاصّ؛ فقیام الحسین (ع) تحقّق بأمر غیبیّ لا نستطیع أن نفهم أسراره؛ وعلینا أن نقف فی حدود هذا التسلیم بالتقدیر الإلهیّ الذی أمره بالاستشهاد وانصاع له الإمام الحسین (ع) منقادًا. وهذا لا یعنی أنّ الحالة الاستشهادیّة التی عاشها الإمام الحسین (ع) وأصحابه لم تکن لها آثار إیجابیّة فی تنبیه الأمّة وتحفیزها وإیقاظها من سباتها!
وبهذه القراءة لم تعد الثورة أنموذجًا للتأسّی، وغُیِّب الاستدلال بها فی الفقه على الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وصار القیام تکلیفًا خاصًّا للإمام الحسین (ع)؛ کبعض التکالیف الخاصّة بالنبی (ص)!
ومن أغرب التبریرات لهذه القراءة القاصرة للثورة الحسینیّة: أن یُستدلّ على خصوصیّة التکلیف وغیبیّة القیام؛ من أحکام فقه الجهاد؛ ففی هذا الفقه یسقط وجوب الجهاد، إنْ کان عدد العدوّ یزداد عن الضعفین، ویسقط وجوب القتال عن الشیخ والصبی؛ وکلّ هذه الأحکام لم یُلتزم بها فی واقعة عاشوراء؛ فهذا دلیل على أنّها حالة خاصّة للإمام الحسین المعصوم (ع)!
ووجه الغرابة أن نُخضِع فعل الإمام (ع) للفقه، ولیس العکس! أولیس سمّی الإمام إمامًا لأنّه میزان الحقّ والباطل؟ أولیست سنّة المعصوم حجّة؛ قوله وفعله وتقریره؟ فأحکام الفقه یجب أن تدور مدار فعل المعصوم (ع)، ولیس العکس!
ومن جهة أخرى، أیّ معنى للتأسّی والاقتداء یبقى بعد أن جعلنا العصمة والعلم ظرفًا خاصًّا لتکالیف الإمام (ع)؛ وفی الروایات نصوص تؤکّد على الاقتداء بالحسین (ع) ومتابعة نهجه! إنّ هذا المنطق یفرِّغ الإمامة من أغراضها ومضامینها، ویحوِّلها إلى قیادة طوباویّة متعالیة لا نستطیع الاقتداء بها!
ومع الإمام الحسین (ع) بالذات، وحسب هذا المنطق العجیب؛ لا نملک إلا أنْ نرمق الإمام (ع) من بعید، دون أن نستجیب له إلا حزنًا وبکاءً ولوعة! وینطبق حینها علینا قول الإمام (ع): "من سمع واعیتنا أهل البیت، ثّم لم یجبنا؛ کبّه الله یوم القیامة على وجهه فی نار جهنّم"[38].
وقد ردّ السید الطبطبائیّ (قده) على توهّم التنافی بین علم الإمام (ع) ووظیفته المشترکة مع عموم المکلّفین فی رسالته حول علم الإمام (ع)، حیث یقول "العلم الحتمیّ بشهادته لا یکون موردًا للتکلیف"[39]. ویقول: "والإمام مثل سائر أفراد البشر عبد الله ومکلَّف... بالتکالیف الدینیّة، ونظرًا للمنزلة القیادیّة التی أُعطیت له من الله تعالى؛ وجب أن یؤدّیها بالموازین البشریّة العادیة، وأنْ یبذل قصارى جهده فی إحیاء کلمة الحقّ والحفاظ على الدین"[40].
- المقولة الثانیة: سقوط وجوب الأمر بالمعرف والنهی عن المنکر؛ إمّا من باب التقیّة، أو من باب عدم توافر الشروط:
یُعدّ مبدأ الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر من الدوافع الأساسیة للقیام الحسینیّ، وقد عدّه الشهید مطهریّ (قده) أحد العوامل الثلاثة الأساسیّة للنهضة؛ مضافًا إلى رفض بیعة یزید ورسائل أهل الکوفة؛ وهو یراه العامل الأهمّ؛ لأنّ "هذا العامل فی الواقع یمنح النهضة الحسینیّة قیمة أعلى بکثیر ممّا یمنحه العاملان الآخران، فاستنادًا إلى هذا العامل استطاعت هذه النهضة أن تکون جدیرة بالحیاة والخلود، وأن تکون الثورة المعلِّمة"[41].
ولم یُخفِ الإمام الحسین (ع) هذا الدافع، وصدع فی أکثر من موقف ومحطّة فی مسیرته النهضویّة بأنّ مسؤولیّة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر تدفعه إلى القیام. وهو بذلک یلتزم خطّ الرسالة وسنّة النبی محمد (ص)؛ فمن خطبه (ع): "أیها الناس، إنّ رسول الله (ص) قال: مَنْ رأى سلطانًا جائرًا مستحلًا لحرم الله ناکثًا لعهد الله مخالفًا لسنّة رسول الله (ص) یعمل فی عباد الله بالإثم والعدوان، فلم یغیّر علیه بفعل ولا قول؛ کان حقًّا على الله أن یُدخله مدخله، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشیطان، وترکوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفیء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله. وأنا أحقّ بهذا الأمر؛ لقرابتی من رسول الله"[42].
وفی خطبة له: "ألا ترون أنّ الحقّ لا یُعمل به، وأنّ الباطل لا یُتناهى عنه. لیرغب المؤمن فی لقاء الله محقًّا؛ فإنّی لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحیاة مع الظالمین إلا برمًا"[43].
ومن هنا؛ شخّص الإمام (ع) تکلیفه الشرعیّ ومسؤولیّته التاریخیّة بالقیام؛ آمرًا بالمعروف، وناهیًا عن المنکر الذی تفشّى. فکلّ سلطة لا تلتزم بالحقّ وتعمل بالباطل؛ لا بدّ من الثورة ضدّها.
وتبدو المسألة بدیهیّة، فالأساس النظریّ للثورة هو المبدأ القرآنیّ المهمّ: الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، الذی هو ملاک أفضلیّة الأمّة: {کنتم خیر أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنکر}[44]؛ والقیام والملحمة الحسینیّة بکلّ تفاصیلها کانت تجسیدًا لهذا الأصل.
لکنّ الصناعة الفقهیّة أخرجت المسألة من وضوحها؛ فبدلًا من أن یجد الخطاب الفقهیّ الدلیل والمستند لشرعیّة الثورة ووجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فی الثورة الحسینیّة وإقدام الإمام (ع) على الشهادة؛ بما یعزّز ثقافة الناس ومسؤولیّتهم تجاه الحقّ والمعروف ورفض المنکر والنهی عنه؛ نرى الفقهاء یُعرضون عن الرسالة الحسینیّة وعن قیام الإمام الحسین (ع)، ویفرضون قیودًا لهذا الدور الرسالیّ المهمّ، فیبحثون فی الأمن من الضرر، واحتمال التأثیر!
لقد حاولت الصناعة الفقهیّة التملّص من مسؤولیّة الأمر بالمعروف، وبحثت فی إجراءات سلبیّة لمقاومة حکّام الجور!
ومرّة أخرى یسقط الخطاب الفقهیّ فی تقدیم تفسیر للثورة والاستفادة منها! فکیف یُشترط الأمن فی رسالة تغییریّة؟! وهل تبقى مع هذا الشرط إمکانیّة للصدام والمواجهة؟ فکلّ صدام وراءه أثمان باهضة، وکلّ صدام یقود إلى ضرر جسدیّ أو مالیّ أو نفسیّ!
وبناءً على هذا التفسیر الفقهیّ، نحکم على الأمّة بالجمود التاریخیّ، والسبات الحضاریّ، والسکوت عن الحقّ؛ صونًا لکرامتنا وذواتنا وأموالنا... فماذا یبقى من الثورة؟!
وفی مستویات أخرى من البحث یبرّر بعضهم سقوط هذا الواجب الدینیّ بذریعة التقیّة! فالحسین (ع) ترک التقیّة؛ لأنّ ذلک تکلیفه الخاصّ ودوره الاستثنائیّ، ولکنّ سائر الأئمّة (عله) مارسوها، فیمکننا أن نلتزم بها. وأضحى هذا الترجیح شائعًا بین الناس؛ حیث یفضّلون هذا المنهج المهادن على منهج الثورة، وغدت حجّة کلّ من یتخلّف من الزعامات الدینیّة عن النهج الثوریّ: أنّه حسنیّ الانتماء! وحاشا للإمام الحسن (ع) المظلوم أن یتخلّى عن مسؤولیّاته!
- المقولة الثالثة: النقاش فی إطلاق دلالة فعل المعصوم (ع):
تشتمل السنّة وفق المدرسة الإمامیّة على قول المعصوم (ع) وفعله وتقریره. وهی تمثّل مع القرآن الکریم ودلیل العقل ما یسمّى بالأدلّة المحرزة؛ أی ما یحرز بها الحکم.
ولکنّ الأصولیین یعتبرون دلیلَ الفعل دلیلًا لبیًّا، لا إطلاق فیه؛ فلا بدّ من إحراز وحدة الظروف من جمیع الجهات التی حفّت بالفعل؛ حتّى نستطیع أن نستنبط منه الحکم. فنحن یمکن أن نستبط حکمًا من فعل المعصوم (ع)، ولکن لا یمکن تعمیمه لکلّ الحالات؛ لعدم الإطلاق فی دلالة الفعل[45].
هذا المنطق یقود إلى احترازات شدیدة فی بناء نظریّة الثورة والتدلیل على مشروعیّتها، وقد انعکس ذلک فی استنتاجات کثیرین؛ ممّن یؤمنون بالثورة وینتصرون لنظریّة الثورة؛ الذین وجدوا أنّ الاستدلال بالثورة الحسینیّة "لصالح نظریّة الثورة على الأنظمة ممکن من حیث المبدإ، لکنّ ذلک لا یعنی أنّ دائرة الاستناد واسعة؛ بل هی محدّدة بالأطر التی تمثّل القدر المتیقّن من العناصر المبرّرة لثورة الحسین؛ بحیث تتقارب مع الظروف التی فیما بعد، دون إدخال الاحتمالات البعیدة عن الذوق والعرف والعقلائیّة؛ الأمر الذی یجعل الاستناد محدود الدائرة"[46].
ومن الواضح أنّ الهندسة الأصولیّة ألقت بظلالها على هذا الاستنتاج وکبّلته فی قیود واحترازات فرضها هذا المنطق الأصولیّ الذی یتعاطى مع مثل هذه القضایا بهذا المنظور المخالف للوجدان العرفیّ الذی یرى الفعل فی مثل هذه المواقف الاجتماعیّة أبلغ بمرّات من القول! کما إنّ فی مثل مقامنا لا بدّ من أن یدرس الحدث فی جمیع أبعاده؛ فهذا "الفعل " -کما یحاول المنطق الأصولیّ أن یتعاطى معه- لا ینفصل عن سیاقات لفظیّة؛ کلمات، أقوال، وخطب تشرح الموقف؛ کما إنّ هذا الفعل لا ینفصل عن دور الإمام (ع) ورسالته فی حفظ الدین وتعلیم الناس. ومن جهة أخرى نرى المنطق الأصولیّ یتعاطى مع فعل المعصوم (ع)؛ وکأنّه سلوک فردیّ نرید أن نستنبط منه حکمًا شرعیًّا لمکلَّف فرد یبحث عن الاستفادة من فعل المعصوم (ع) فی حکم المسألة. هذا الاستغراق فی الفردیّة وإقصاء البعد الاجتماعیّ فی المنطق الفقهیّ والأصولیّ، والغفلة عن الفهم المقاصدیّ؛ یقود لمثل هذه الاستنتاجات.
- المقولة الرابعة: النزعات السیاسیّة وتفسیر القیام بالصراع على السلطة:
غلب فی القرون الأولى التی أعقبت الثورة التعاطی معها بطابع الانفعال والحزن لمصاب الإمام أبی عبد الله الحسین (ع)؛ ولذلک نجد أکثر الکتب التی صنّفت حول الموضوع، رکّزت على جانب المأساة والحزن والجزع والبکاء فی قراءة الواقعة. وبجرد سریع لعناوین هذه المصنّفات ترى اطّراد لفظ البکاء والجزع والحزن والغمّة والمصائب...
وفی العقود الأخیرة حدث تحوّل کبیر فی هذه الدراسات؛ حیث اتّخذت منحًى اجتماعیًّا سیاسیًّا، فبرزت عناوین: النهضة، والثورة، والإصلاح، والشهادة، والملحمة، ...
هذا التحوّل من السلبیّة والانفعال الذی جسّده الاتّجاه الأوّل إلى الإیجابیّة والتأثیر الذی ینظِّر له الاتّجاه الثانی؛ هو أمر مهمّ وتطوّر طبیعیّ فرضه منطق التحوّلات التاریخیّة الکبرى التی شهدها عالمنا الإسلامّی فی محاولاته النهضویّة للخروج من ربقة التخلّف والاستعمار؛ استجابة لدعوات الإصلاح الدینیّ التی ظهرت فی شرق العالم الإسلامیّ وغربه.
ولکنّ المشکلة التی طفت إلى السطح مع تعمّق هذا الاتّجاه الاجتماعیّ السیاسیّ؛ هی الاستغراق فی هذا البعد، وتفسیر الثورة والنهضة الحسینیّة تفسیرًا سیاسیًّا؛ یقوم على مفهوم الصراع على السلطة، وافتکاک الحکم من الأمویّین! وقد حاول أصحاب هذا الاتّجاه الاستدلال على هذه النظریّة من رسالة الإمام الحسین (ع) إلى أهل الکوفة؛ لمّا تواترت علیه کتبهم: أنْ أقدم؛ فإنّ لک جندًا مجنّدةً، حیث کتب (ع) لهم: "... وأنا باعث إلیکم أخی وابن عمی وثقتی من أهل بیتی؛ مسلم بن عقیل؛ فإنْ کتب لی أنّه اجتمع رأی ملئکم وذوی الحجى والفضل منکم، على مثل ما قدَّمت رسلکم، وقرأت فی کتبکم؛ فإنّی أقدم إلیکم وشیکًا إن شاء الله، فلعمری ما الإمام إلا الحاکم بالکتاب، القائم بالقسط، الدائن بدین الحقّ، الحابس نفسه على ذلک لله. والسلام"[47].
ولکنّ فی هذا الطرح تعمیة للجوانب الأخرى للثورة؛ کالجوانب الإحیائیّة والمستقبلیّة التی تتعلّق بحفظ الدین. کما إنّ هذا التفسیر یختزل شخصیّة الإمام (ع) فی بعدها الاجتماعیّ السیاسیّ، ویقصیها عن موقع الإمامة والشهادة الربّانیّة على الناس، ویتغافل عن الملکات المعنویّة للإمام (ع)؛ من عصمة، وعلم خاصّ...
ویصطدم هذا الطرح بحقائق تاریخیّة ثابتة؛ منها: إصرار الإمام الحسین (ع) على الاستمرار فی مسیرته؛ حتى بعد بلوغه نبأ استشهاد قیس بن مسهّر، ومسلم بن عقیل، وبعد أنْ أخبره الفرزدق أنّ قلوبهم معک وسیوفهم علیک. فلو کانت غایته السلطة وإسقاط حکم بنی أمیّة؛ فلا معنى للمسیر قدمًا؛ مع إبلاغه أنّ أهل الکوفة الذین بایعوه قد نکثوا!
إنّ تورّط العقل فی التفسیرات القاصرة للقیام والثورة، وتبنّی بعض المقولات التی تحرف الثورة عن مقصدها؛ هی نتیجة طبیعیّة لعدم استیعاب فقه الثورة وقراءة سفرها. فمسار الثورة وفلسفتها لا یترک مجالًا للالتباس فی فهم الموقف؛ بنحو لا تختلط الأمور فیه؛ فالعصمة شرط للثورة؛ سواء أکانت العصمة متمثّلة بشخص الإمام (ع) أم بخطّه؛ فالثورة لا تنفصل عن خطّ العصمة! بما تستبطنه هذا القیادة من ملکات معنویّة یفرضها موقعها الوجودیّ والتاریخیّ.
ثالثًا: أصول الثورة الحسینیّة:
لم تقدر القراءات السابقة للثورة الحسینیّة، على حجب ألق الملحمة وإشعاعها التاریخیّ؛ حیث فشلت هذه القراءات إجمالًا فی صرف العقل الجمعیّ للأمّة عن التفاعل الإیجابیّ مع هذا التحوّل التاریخیّ، وإنْ کان هذا المستوى من التفاعل مع فقه الثورة لم یبلغ الدرجة المرجوّة، ولکنّ عاطفة الأمّة لا تزال جیّاشة اتّجاه الحسین (ع). ولا نعرف ثورة فی التاریخ بهذا التجذّر النفسیّ والفکریّ والحضور الجماهیریّ؛ على الرغم من مرور قرون متطاولة على الحدث. والسرّ وراء هذا الخلود یکمن فی قداستها؛ بفعل استحضار المقدَّس والتقدیس واستدعاء علاقة الحدث بالغیب والتخطیط الإلهیّ للتاریخ.
ففقه الثورة باقٍ ومستمرّ؛ بقدر ما یمتلک من عناصر القداسة، ولا نعنی بالقداسة التعالی عن الطبیعة التکوینیّة للأفراد وحاجاتهم ومتطلّباتهم، ولکنّ بمعنى ارتقاء أولئک إلى مستوى الفناء فی أهداف سامیة. فقداسة الثورة تعنی صدقیّة قادتها، ومبدئیّة أفرادها، وحقّانیة شعاراتها وأهدافها، وطهارة وسائلها وخططها.
ولمّا کانت الإحاطة التفصیلیّة بدقائق فقه الثورة ممّا یُخرج المقالة عن طبیعتها، سنکتفی بقواعد أساسیّة بارزة شکّلت عناوین صارخة لهذه الثورة، وهی تعبّر عن أصولها الأساسیّة وضوابطها العامّة. وهذه الأصول تنسجم مع ما تقدّم بیانه من أسس الثورة ومعالم النظریّة الثوریّة؛ بل هی تشخیص حی لتلک المعالم وإظهار لتعرّجات ألوانها. وهذه الأصول هی الآتیة:
1. الثورة موقف وعی لا حالة انفعال:
ترتبط الثورات عادة بالانفعال والغضب، وتقترن بأعمال عنف وانتقام؛ لأنّها تنبع من حالة انفجار؛ نتیجة الظلم والقمع الذی مُورِسَ ضدّ الجماهیر. وهذا ما یفسّر غلبة العقل الجمعیّ على الناس والجمهور فی یومیّات الثورات، وعودة الناس إلى رشدها ووعیها أکثر بعد نشوة "الانتصار" أو خیبة "الانکسار" وفشل الثورة.
ولکنّ الثورة الحسینیّة أبت إلا أن تتجسّد فعلًا واعیًا رشیدًا بعیدًا عن الانفعال الفردیّ والغضب الجماهیریّ المنفلت، وهو ما أکّد علیه الشهید مطهّری (قده) فی تحلیله للثورة الحسینیة بأنّها لم تکن ولیدة الانفجار، أو عملًا بعیدًا عن الوعی، أو نتیجة نفاذ صبر الحسین (ع)؛ بسبب الضغوط الکثیرة التی کانت تمارس علیه من قِبَل الأمویّین وعمّالهم أیّام معاویة وابنه یزید، حیث تؤدّی به إلى أن یثور ویقول: فلیکن ما یکون! والواقع یشهد بأنّ هذه الثورة المبارکة لم تکن کذلک؛ ویدلّ علیه الرسائل المتبادلة بین الإمام الحسین (ع) من جهة، وبین معاویة وابنه یزید من بعده من جهة أخرى؛ مضافًا إلى الخطب التی أوردها الإمام الحسین (ع) فی مجالات مختلفة؛ وبخاصّة تلک التی خاطب بها صحابة الرسول (ص) وهم مجتمعون فی منى، وقد نُقل حدیث هذه الخطبة بصورة مفصّلة فی کتاب تحف العقول. فالأدلّة المُشار إلیها کلّها تبیّن أنّ الإمام الحسین (ع) ثار وهو یدرک إدراکًا کاملًا سبب قیامه، ولم تتدخّل فی نهضته عوامل الانفجار النفسیّ مطلقًا؛ بل کانت ثورة إسلامیّة محضة. ویشهد بذلک -أیضًا- طریقة تعامله (ع) مع أصحابه؛ فالإمام (ع) تجنّب وتحاشى الاستفادة من أیّ عامل من العوامل التی تؤدّی إلى حدوث الانفجار النفسیّ والعاطفیّ، ولم یسمح بأنْ تکتسب نهضته الطابع الانفجاریّ؛ ولذلک حاول فی مواقف عدّة صرف أصحابه عن الاشتراک معه فی قیامه الذی کان على یقین بنتیجته، فکان یؤکِّد لهم مرّة بعد أخرى أنْ لا مصلحة مادّیّة یجنونها فی مسیرهم معه، وأنّ الموت المحتّم ینتظرهم، وفی لیلة العاشر من محرم أعفاهم من مسؤولیّة البقاء معه، وطلب منهم أن یتّخذوا اللیل جملًا وینجوا بأنفسهم؛ لأنّ القوم یریدونه هو فقط؛ فلو ظفروا به لترکوا غیره! ولا نجد زعیمًا یرید استثمار استیاء قومه وتذمّرهم لدفعهم إلى النهوض والثورة یتکلّم بما قاله الحسین (ع) لأصحابه! وصحیح أنّ مسؤولیّته هی إشعار قومه بأنّهم مکلّفون شرعًا بالنهوض بوجه الحکم الجائر، وبالتأکید على أنّ مکافحة الظلم والجور من واجب الناس، ولکنّه (ع) کان یهدف إلى أن یقوم أصحابه مخیّرین بأداء ذلک التکلیف عن طوع إرادتهم غیر مرغمین علیه[48].
کما یدلّل على عمق الوعی فی القیام الحسینیّ وضوح الأسباب والأهداف والمآل لدى الإمام (ع)؛ حیث قال: "ألا إنّی لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولکنْ خرجت طالبًا الإصلاح فی أمّة جدی". وقوله (ع): "خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة من جید الفتاة. ما أولهنی إلى أسلافی اشتیاق یعقوب إلى یوسف. وخُیّر لی مصرع أنا لاقیه. کأنّ بأوصالی تقطّعها عسلان الفلوات بین النواویس وکربلاء"[49].
ومن هنا، أصرّ الإمام الحسین (ع) على السیر إلى النهایة؛ عازمًا على لقاء ربّه، وقد خُضّب بدماه! مخلّدًا بذلک اللون الأحمر القانی ملحمةَ القیام والرفض.
2. القیام لیس هدفًا فی ذاته:
تقدّم أنّ الإسلام فی جوهره رسالة تغییریّة إصلاحیّة، تستهدف النهوض بالواقع، وإعادة بنائه، ولیس تفسیره وتبریره! وقد یتوهّم بعضهم أنّ هذا یعنی السقوط فی أطروحات "الثوریّة" وشعار "الثورة للثورة"!
ولکنّ الثورة فی المنظور المتبنّى لیست هدفًا فی حدّ ذاتها! وإنّما هی شکل من أشکال النضال والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، یقتضیه الانتماء، وتتطلّبه المرحلة. فسفر الثورة کان نتیجة مسار تاریخیّ وجدت القیادة الربّانیّة والطلیعة المؤمنة الملتفّة حولها أن لا مناص من النهوض؛ حفاظًا على الرسالة، وصونا لدینامیّتها التاریخیّة!
فالأصالة للإصلاح ودفع مسیرة المجتمع نحو التکامل؛ والظروف هی التی تحدّد ضرورة استخدام القوّة أولًا، بعد استنفاذ وسائل الإقناع. وعلى أساس هذه القاعدة یکتسب النضال قدسیّته، لا من منطلق أنّ الثورة هی الأصل والإسلام أداة؛ بل لأنّ الحقّ مقدّس، والدفاع عنه مقدّس، سواء أکان حقًّا فردیًّا أو وطنیًّا أو بشریًّا. ومن هنا، کان الدفاع عن التوحید من أقدس النضالات؛ لأنّه دفاع عن أهمّ مقوّمات السعادة البشریّة وکمالها النوعیّ[50].
وفی ضوء هذا الأصل نفهم الحوارات المتکرّرة للإمام الحسین (ع) مع القوم، ومحاولاته إقناعهم بالرجوع عن غیّهم، وعدم رغبته بالبدء بالقتال؛ على الرغم من یقینه بأنّه على الحقّ وأنّهم على باطل.
وبناءً على ذلک، لا تدین مدرسة الثورة الإسلامیّة الإصلاحات، ولا تسلک مسالک نشر الفوضى والبلبلة، ولا تشجّع الاضطرابات لتأجیج الصراع والتناقضات بین القوى الاجتماعیّة؛ کما تُنظِّر الأطروحات الصدامیّة! بل نعتقد أنّ الإصلاحات الجانبیّة تسهم فی دعم الحقّ فی صراعه ضدّ الباطل؛ کما تساعد على دفع المسیرة التکاملیّة للتاریخ لصالح المتّقین[51].
3. القیم هی الأصل:
إنّ أساس الثورة الإسلامیّة إنسانیّ قیمیّ. ولذا؛ فإنّ النضال والجهاد والأمر بالمعروف لها ماهیّة إنسانیّة، لا طبقیّة أو فئویّة أو طائفیّة. والمتأمّل فی تفصیل الثورة الحسینیّة ووقائع هذه السیرة یرصد بجلاء کیف جسّدت هذه الواقعة کلّ قیم التضحیة والفداء والإیثار والعشق والفناء فی الله...
وقلّما شهد التاریخ واقعة تجلّت فیها هذه المآثر وهذه البطولات فی مقابل جرائم الخصوم والأعداء ومعسکر الطغیان وحقدهم وتنکیلهم بآل الرسول (ص) وأنصارهم.
ویصعب علینا فی هذا المقام أن نحیط بکلّ قیم الثورة، ولکنّ مواقف الإمام الحسین (ع) ومقولاته ومواقف آله وأصحابه؛ کما ترویها کتب السیرة الحسینیّة وکتب المقاتل؛ اختزلت تاریخ القیم والسموّ الروحیّ للإنسان. لقد عبّرت الملحمة بدلیل الفعل الذی هو أبلغ فی هذا المقام من دلیل القول وکلّ أسالیب الإطلاق أنّ الثورة قیمة أخلاقیّة معنویّة أو لا تکون! فالثورة قیم علیا مقدّسة یُقدِم الثوّار بإرادتهم الحرّة على التضحیّة فی سبیلها مختارین منصاعین باذلین مهجهم وأرواحهم متسربلین أعظم قیمة فی الثورة "الاستشهاد لیکونوا شهداء على التاریخ والأمّة والعصر". وهذا ما جسّدته أقوال الإمام الحسین (ع): "والله، لا أعطیکم بیدی إعطاء الذلیل، ولا أقرّ إقرار العبید"[52]، "الموت لنا عادة وکرامتنا من الله الشهادة"[53]، "ألا إنّ الدعی ابن الدعی قد رکز بین اثنتین؛ بین السلّة والذلّة. وهیهات منّا الذلّة"[54]، "اللهم إنّک تعلم أنّه لم یکن الذی کان منّا منافسةً فی سلطان، ولا التماس فی فضول الحطام، ولکنْ لنردّ معالم دینک، ونظهر الإصلاح فی بلادک، ویأمن المظلومون من عبادک، وتقام المعطّلة من حدودک"[55]. وهی أقوال غدت شعارات تلهم الثوار فی زمان ومکان!
وکان من الطبیعیّ ارتباط الثورة بالإمامة: "مثلی لا یبایع مثله"، "وأنا أحقّ من غیری"؛ لأنّ الإمام (ع) میزان الحقّ والباطل، وهو مستودع أسرار الرسالة ومقاصدها، وبذلک یملک الوعی الأعمق للإسلام، بما هو رسالة ومسار؛ رسالة عالمیّة تقوم على فهم معنویّ للوجود والحیاة والإنسان والتاریخ، وعلى رؤیة فی إعادة صیاغة العالم وبناء الإنسان وإرساء الحیاة وصناعة التاریخ فی کنف منظومة قیم الحقّ والعدل والحرّیّة. ومسارًا تاریخیًّا تکون الثورة إحدى مقوّماته للحفاظ على الرسالة وعدم تزییفها وتصویب الرؤیة وعدم تحریفها.
4. الانتصار الزمنیّ لیس شرطًا لنجاح الثورة:
نظر بعض الباحثین نظرة غریبة إلى نتائج الثورة، جعلته یُخطِّىء الإمام الحسین (ع) فی خروجه؛ لأنّه لم ینجح فی النهایة فی إسقاط حکم یزید واسترجاع السلطة المغصوبة لأهلها. وهذا الأسلوب فی تقییم الثورة ینبع من رؤیة قاصرة للتاریخ وفلسفة الثورة.
قد یصلح هذا المقیاس المادّیّ أو النفعیّ بالأحرى فی قراءة التاریخ فی نطاق المدارس الوضعیّة التی تتنکّر للغیب، وتعتقد بأصالة هذه النشأة الدنیویّة.
ومن هنا، تقیس التفسیرات المادّیّة للتاریخ نجاح الثورات بالمکاسب الاجتماعیّة والطبقیّة التی جنتها. فالثورة تنجح عندما تفلح هذه الطبقة الکادحة المهمّشة المستغَلَّة فی افتکاک السلطة واستبدال مواقع النفوذ مع تلک الطبقة المتسلِّطة.
لکنّ المشهد الحسینیّ یؤسّس لمفهوم جدید لانتصار الثورة؛ حیث یشکّل رکنًا فی الوعی الثوریّ الجدید الذی نستنبطه من هذه التجربة التاریخیّة الخالدة.
إنّ الانتصار الموضعی لیس مقیاسًا لنجاح الثورة، والتجربة المعاصرة تدعم هذه الحقیقة؛ فکم من ثورة اجتماعیّة نجحت فی إسقاط أنظمتها واسترجاع السلطة، ولکنْ سرعان ما تتآمر علیها أطراف وتفرِّغها من محتواها؛ فتجربة "الربیع العربی" -مثلًا- لم تخلِّف فیها الانتصارات الموضعیّة التی حقّقتها بعض الثورات فی بعض البلاد؛ سوى الفوضى والسیر إلى المجهول! فهل یُعدّ هذا نجاحًا؟
إنّ نجاح الثورة یکمن أساسًا فی الالتزام بقدسیّتها، والتمسّک بقیمها فی کلّ تفاصیل المشهد الثوریّ؛ وإنْ أعقب ذلک خللًا فی میزان الربح والخسارة.
ویتمثّل هذا النجاح فی الانتصار على الذات وحبّ البقاء أولًا، ومن ثمّة الانتصار على قیود السلطة والتمرّد علیها والاحتجاج ضدّها والاستعداد للسیر قدمًا؛ وإنْ کلّف ذلک بذل المُهَج؛ حیث ورد فی الروایات المأثورة أنّ الصدع بکلمة الحقّ فی وجه سلطان جائر أفضل الجهاد، وأنّ من قام لسلطان ظلوم، فأمره ونهاه، فقتله؛ فهو فی مرتبة حمزة سیّد الشهداء.
لذا، فنجاح ثورة ما یُقاس بمقدار ما جسّدت تلک الثورة من انتصار للإنسان والقیم الإنسانیّة. ولیس بمقدار ما حصلت على حقوق ومکتسبات؛ فهذا الأخیر میزان ثانویّ تابع، ولیس مقیاسًا أصلیًّا، فالحقوق والمال والمکتسبات المادّیّة تفرض قیمة العدالة أنْ تصل إلى أصحابها، وأن لا تحتکر فئة فی المجتمع السلطة والثروة دون المستضعفین: {کی لا یکون دولة بین الأغنیاء منکم وما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا}[56].
کما یُقاس نجاح ثورة ما بمقدار ما یکون لها من إشعاع فکریّ ومعنویّ یُسهم فی تعبئة الناس للانخراط فی مقارعة الظلم والظالمین أینما کانوا، ویدفعهم إلى الانتصار للحقّ والعدل والحرّیّة.
بهذا المعنى نفهم انتصار السیف على الدم فی کربلاء! وندرک أنّ استشهاد الإمام الحسین (ع) وآله وأصحابه وسبی نسائه لا یزعزع نجاح الثورة. ولکنّ الانتصارات الاستراتیجیّة الکبرى فی التاریخ دائمًا تستوجب تضحیات بقدرها! فکان الحسین (ع) الفداء! وکان خلود الرسالة وبقاء دیمومتها الثوریّة العطاء!
5. الثورة بین الشرعیّة والمشروعیّة:
یُقصد بشرعیّة الثورة امتلاکها التبریرات القانونیّة والدینیّة. وفی مقامنا، شرعیّة الثورة تعنی جوازها شرعًا، بالمعنى الأعمّ، أی بما یشمل الأحکام التکلیفیّة غیر التحریمیّة؛ أی إنّها غیر منهی عنها، فقد تکون واجبة.
وبالتالی، یکون معیار الشرعیّة النصوص والتشریعات، وفی العرف الاجتماعیّ هی البنود القانونیّة واللوائح الناظمة لحرکة الناس وتصرّفاتهم.
ولأجل ذلک؛ یلجأ الطواغیت -عادةً- إلى قوانین الجور السائدة؛ لیدّعوا عدم شرعیّة الثورات والانتفاضات الشعبیّة التی تندلع ضدّهم. وهذا من المفارقات التی یحفل بها تاریخ ثورات الشعوب!
فکیف لحراک شعبیّ رافض لواقع ما، ومتمرّد على سلطة متعجرفة بکلّ مؤسّساتها؛ أن یقبل الاحتکام إلى منظومتها القانونیّة لتحدید شرعیّة الثورة من عدمها!
أمّا المشروعیّة، فیراد منها الحقّانیّة الشعبیّة؛ أی التفاف الشعب حول الاختیار والموقف. فعدم إرادة الناس لأیّ خیار یفقده المشروعیّة الشعبیّة، وإنْ کان خیارًا شرعیًّا!
فلا تلازم بین الشرعیّة والمشروعیّة؛ فربّ موقف شرعیّ وقانونیّ لا یجد له مقبولیّة بین الناس، فیفقد المشروعیّة. وربّ موقف یلتفّ حوله الناس، وتکون له المشروعیّة الشعبیّة، ولکنّه فاقد للشرعیّة الدینیّة والقانونیّة!
والثورة الحسینیّة کانت واجدة للشرعیّة والمشروعیّة؛ فشرعیّتها نابعة من حقّانیّتها التی لا یرقى إلیها الشکّ، من خلال قیادتها المعصومة، وقداسة أهدافها، وطهارة وسائلها... وهی تستمدّ مشروعیّتها من التفاف الناس حول الإمام (ع).
لقد حرص الإمام (ع) على أن یحصّن کلّ عناصر المشروعیّة، وأصرّ على أن یکون الطریق الذی سلکه طریقًا تسلکه الأمّة؛ بوعیها ونضجها. ومن هنا؛ أخرج أهله، وخطب فی حجّاج بیت الله الحرام وأعلمهم باتّخاده القرار الذی یفرضه علیه موقعه الشرعیّ، وأراد منهم اللحوق. وهو قبل کلّ ذلک لم یتحرّک قبل أن تصله کتب أهل الکوفة: "أنْ أقدم؛ فإنّ لک جنودًا مجنّدة".
فبعد أنْ ضمن التفاف الناس حول أهداف الثورة؛ انطلق فی مسیرته، وظلّ حریصًا على تعزیز هذه المشروعیّة فی طریقه إلى الکوفة، وطالب من شخصیّات عدّة الانضمام إلیه. ولکن لمّا بلغه فی الطریق نبأ استشهاد مسلم بن عقیل، ونکث أهل الکوفة بعهودهم؛ أصرّ على المضی قدمًا، ولکنّه أخبر من لَحِقَ به بواقع الأمر؛ وأنّ الظروف تغیّرت، وأنّه لم یعد یملک القاعدة الشعبیّة الملتفّة حوله؛ فانفضّ عنه کثیرون.
وفی الواقع، لم تکن هذه سیاسة الإمام الحسین (ع) فقط؛ بل هی دیدن أئمّة أهل البیت (عله)؛ حیث نراهم فی سیرتهم الاجتماعیّة والسیاسیّة یحترمون إرادة الناس، ویحرصون على سماع آرائهم واستعلام إرادتهم، وأن تکون هذه الإرادة الشعبیّة منسجمة مع الموازین الشرعیّة.
خاتمة:
لقد شکّلت ثورة الإمام الحسین (ع) المدخل الطبیعیّ لاستکشاف معالم نظریّة الثورة فی الفکر الإسلامیّ. وهذا ما حاولنا القیام به فی هذه المقالة، ولکنّ المحاولة تبدو لا تزال بحاجة إلى متابعة! وفی کلّ الأحوال، فقد أسّسنا فی المقالة مجموعة مرتکزات لهذه النظریّة وضوابط هامّة استلهمناها من قیامه (ع)؛ وهی:
- نظریّة الثورة فی الفکر الإسلامیّ تتماهى مع الفلسفة الاجتماعیّة السیاسیّة، وتقوم على أسس ثابتة؛ هی: أصالة الروح، محرّکیّة الإنسان للتاریخ، کون الظلم أعمّ من الظلم الاقتصادیّ، إنسانیّة التغییرات الاجتماعیة والثوریّة، وکون الثورة لیست استبدالًا لمواقع الاستبداد والاستغلال.
- ثورة الإمام الحسین (ع) ضرورة تاریخیّة فی سیاق التکامل التاریخیّ للدین! وهی حلقة أساسیّة فی إسلام المسار!
- تمثّل المسیرة والقیام الحسینیَّین: فقه الثورة الذی حفظ فقه الرسالة، وفقه الفتنة، وفقه الهدنة، ویمهّد لفقه العدالة!
- یبدأ الوعی الثوریّ بتخطّی الأفهام الخاطئة للثورة التی قادت إلیها بعض التفسیرات الکلامیّة والفقهیّة والأصولیّة.
- أرکان فقه الثورة، کما جسّدته التجربة الحسینیّة، هی: الوعی، القیم، أنّ القیام لیس هدفًا فی حدّ ذاته، المفهوم الصحیح للانتصار، وأنّ الثورة لا بدّ من أن تجمع بین الشرعیّة والمشروعیّة.
[1] باحث فی الفکر الإسلامیّ، من تونس.
[2] مطهّری، مرتضى: الله فی حیاة الإنسان، ط2، بیروت، دار الهادی، 2006م، ص52.
[3] م.ن.ص53.
[4] م.ن.
[5] شمس الدین، محمد مهدی: ثورة الحسین ظروفها الاجتماعیّة وآثارها الإنسانیّة، ط7، بیروت، المؤسسة الدولیّة للدراسات والنشر، 1417هـ.ق/ 1996م، ص17.
[6] سورة الرعد، الآیة 11.
[7] سورة الأنفال، الآیة 53.
[8] جاء فی کتب السیرة أنّ رسول الله (ص) یعرض نفسه على القبائل؛ ویقول لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. وکان وراءه رجل له ذؤابتان (أبو لهب) یرمیه بالحجارة؛ حتّى أدمى کعبه؛ یقول: أیها الناس، لا تسمعوا منه إنّه کذاب. (انظر: الحلبی، علی بن برهان الدین: السیرة الحلبیّة، لا.ط، بیروت، دار المعرفة، 1400هـ.ق، ج2، ص154).
[9] بشارة، عزمی: فی الثورة والقابلیّة للثورة، لا.ط، الدوحة، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، 2011م، ص18.
[10] انظر: مطهّری، مرتضى: نهضة المهدیّ فی ضوء فلسفة التاریخ، ط2، بیروت، دار التیار الجدید، 1427هـ.ق /2006م، ص42.
[11] سورة النحل، الآیة 60.
[12] سورة البقرة، الآیة 138.
[13] انظر: الصدر، محمد باقر: السنن التاریخیّة فی القرآن، ط1، بیروت، دار إحیاء التراث العربی، 2013م، ص101-107.
[14] الیحصبی السبتی، عیاض بن موسى (المعروف بالقاضی عیاض): الشفا بتعریف حقوق المصطفى، لا.ط، بیروت، دار الفکر، 1423هـ.ق/ 2002م، ص25.
[15] الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسى العلویّ: نهج البلاغة (الجامع لخطب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب(ع) ورسائله وحکمه)، شرح: محمد عبده، ط1، دار الذخائر، قم المقدّسة، 1412 هــ.ق، ج4، باب المختار من حکمه، حکمة328، ص78.
[16] انظر: الصدر، السنن التاریخیّة فی القرآن، م.س، ص162-167.
[17] انظر: الصدر، محمد باقر: خلافة الإنسان وشهادة الأنبیاء، تحقیق: أحمد ماجد، ط1، بیروت، دار المعارف الحکمیّة، 1435هـ.ق/ 2014م، ص82.
[18] الکلینی، محمد بن یعقوب: أصول الکافی، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط4، طهران، دار الکتب الإسلامیّة، 1365هـ.ش، ج2، کتاب الإیمان والکفر، باب العقوق، ح4، ص348.
[19] سورة النساء، الآیة 75.
[20] سورة النازعات، الآیات 17-19.
[21] الصدر، خلافة الانسان وشهادة الأنبیاء، م.س، ص83.
[22] سورة القصص، الآیة 5.
[23] سورة الأنبیاء، الآیة 105.
[24] الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س، شرح: ابن أبی الحدید المعتزلیّ، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، ط1، مصر، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378هـ.ق/ 1959م، ج2، ص104.
[25] مرتضى، جعفر: الصحیح من سیرة النبی الأعظم (ص)، ط1، قم المقدّسة، دار الحدیث، 1426هـ.ق/ 1385هـ.ش، ج3، ص236.
[26] السند، محمد: الشعائر الحسینیّة بین الأصالة والتجدید، تحقیق: ریاض الموسوی، ط1، قم المقدّسة، دار الغدیر، 1424هـ.ق/ 2003م، ص227.
[27] المجلسی، محمد باقر: بحار الأنوار، تحقیق: محمد الباقر البهبودی، ط2، بیروت، مؤسّسة الوفاء، 1403هـ.ق/ 1983م، ج43، ص261. (وردت الروایة من طرق السنّة -أیضًا- فی مصادر کثیرة؛ منها: ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، لا.ط، بیروت، دار صادر، لا.ت، ج4، ص172؛ الترمذی، محمد بن عیسى: سنن الترمذی، تحقیق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط2، بیروت، دار الفکر، 1403هـ.ق/ 1983م، ج5، ص324؛ ابن حِبَّان، أبو حاتم محمد بن أحمد التمیمی البستی: صحیح ابن حِبَّان، تحقیق: شعیب الأرنؤوط، ط2، بیروت، مؤسّسة الرسالة، 1414هـ.ق/ 1993م، ج15، ص428؛ الحاکم النیسابوری، أبو عبد الله محمد بن عبد الله: المستدرک، تحقیق: یوسف عبد الرحمن المرعشلی، لا.ط، لا.م، لا.ت، ج3، ص177؛...).
[28] القمیّ، عباس: مفاتیح الجنان، تحقیق: محمد رضا النوریّ النجفیّ، ط3، قم المقدّسة، مکتبة العزیزی، 1385هـ.ش/ 2006م، من دعاء الندبة المنسوب للإمام المهدی "عج"، ص770.
[29] سورة النور، الآیة 55.
[30] سورة الأعراف، الآیة 137.
[31] الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س، ج1، ص209.
[32] سورة الشورى، الآیة 23.
[33] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج52، ص202.
[34] انظر: مجموعة من الباحثین: نهضة عاشوراء دراسات کلامیّة فقهیّة وسیاسیّة، ط1، بیروت، دار المعارف الحکمیّة، 2015م، ص553.
[35] انظر: التفتازانی، سعد الدین مسعود بن عمر: شرح العقائد النسفیّة، ط2، باکستان، مکتبة المدینة، 1433هـ.ق/ 2012م، ص343-344.
[36] انظر: السیوطی، جلال الدین: تاریخ الخلفاء، لا.ط، بیروت، لا.ن، لا.ت، ص224-226.
[37] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج44، ص 364
[38] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج44، ص315.
[39] الطباطبائی، محمد حسین: علم الإمام ونهضة سید الشهداء، ط1، بیروت، دار المحجة البیضاء، 1431هـ.ق/ 2010م، ص57.
[40] م.ن، ص62.
[41] المطهری، مرتضى: الملحمة الحسینیة، تعریب: محمد صادق الحسینی، ط3، بیروت، الدار الإسلامیّة، 1423هـ.ق/ 2003م، ج2، ص34.
[42] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج44، ص382.
[43] م.ن، ص192.
[44] سورة آل عمران، الآیة 110.
[45] انظر: الصدر، محمد باقر: دروس فی علم الأصول، ط2، بیروت، دار الکتاب اللبنانی، 1406هـ.ق/ 1986م، الحلقة الثالثة، ج2، ص113.
[46] حب الله، حیدر: دراسات فی الفقه الاسلامیّ المعاصر، ط1، لا.م، دار الفقه الإسلامیّ المعاصر، 2011م، ج3، ص363.
[47] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج44، ص334.
[48] انظر: مطهّری، مرتضى: بین المنبر... والنهضة الحسینیّة، ضمن سلسلة تراث وآثار الشهید مرتضى مطهّری، ط1، بیروت، دار الإرشاد، 1430هـ.ق/ 2009م، مبحث حقیقة النهضة الحسینیّة، ص143.
[49] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج44، ص367.
[50] انظر: المطهری، نهضة المهدی فی ضوء فلسفة التاریخ، م.س، ص49.
[51] انظر: م.ن، ص50.
[52] المجلسی، بحار الأنوار، م.س، ج45، ص7.
[53] الموسوی، علی بن الحسین (المعروف بالشریف المرتضى): الانتصار، ط1، بیروت، دار السیرة، 1422هـ.ق، ج8، ص131.
[54] ابن طاووس، علی بن موسى بن جعفر: اللهوف فی قتلى الطفوف، ط1، قم المقدّسة، أنوار الهدى، 1417هـ.ق، ص59.
[55] الشریف الرضی، نهج البلاغة، م.س، ج2، ص13.
[56] سورة الحشر، الآیة 7.